حازم خزام بالهيئة العامة للإستعلامات برئاسة الجمهورية
متابعة عادل شلبى
علاقة التسامح بالسعادة
التسامح مع المختلفين عنا وتقبلهم، يزيد السعادة لأنه ينقي القلب من الأحقاد والضغائن والهموم التي تسببها مشاعر الكراهية والغضب التي يذكيها التطرف ضد الآخر.. زيادة هذه المشاعر السلبية يقلل من السعادة الشخصية.. وعلى مستوى المجتمع ككل، يزيد التسامح من الانسجام والترابط بين أبناء الوطن الواحد، بدلاً من الصراعات الجانبية والولاءات الفرعية التي تهدد قيمة الوطنية، بل وقيم الإنسانية ذاتها.. فانعدام التسامح هو وقود الإبادات الجماعية والصراعات العرقية.
ببساطة، التسامح صفة حضارية كفيلة بإثراء علاقاتنا الشخصية وارتقاء مجتمعاتنا ونشر بعض السلام في هذا العالم..
فكيف يمكننا تنمية هذه المهارة الذهنية الضرورية؟
1 كن مثقفاً
لزيادة التسامح ينبغي توسيع نطاق معارفنا ليشمل مصادر متنوعة، ألا تقتصر معارفنا على تلقي مصادرنا الفكرية المألوفة فقط.
هناك نزوع غريزي لرفض مالا نفهمه. فالناس أعداء ما يجهلون، وعقولنا تحاول أن تحمينا مما لا ندرك عواقبه. الظلام مرادف للخوف والشر لمجرد أننا لا نرى من خلاله، لذلك تفترض عقولنا – على سبيل الاحتياط – أن فيه خطرا محتملا!
تمتع بالفضول.. اقرأ.. وسع نطاق قراءاتك واجعلها متنوعة تشمل مختلف الأفكار والمشارب الفكرية. لا تنكب على مصدر واحد، بل اقرأ عن الحضارات المختلفة والأديان المتنوعة من مصادرها، فهذا كفيل بإضاءة المناطق المظلمة في تصوراتنا المنقوصة نحو الآخر!
2 قدر قيمة التنوع
في الشركات اليابانية، تدار الاجتماعات بالشكل التالي: يتكلم الموظف الأقل درجة أولاً، يليه الذي يعلوه، وهكذا حتى الوصول للمدير. لماذا يفعلون ذلك؟ تجنباً لظاهرة نفسية تسمى التفكير الجمْعي «Groupthink» ومعناها، أن يقر الجميع برأي واحد ولا يستطيعون التفكير خارجه، واكتشف روجر ماير وزملاؤه «في دراسة نشرت بدورية فايننشيال مانجمنت» أن التنوع في أفكار الموظفين وخلفياتهم العرقية، سر نجاح الكثير من المؤسسات، لأنه يثري التفكير الإبداعي بتضافر طرق تفكير مختلفة.
3 انظر بعيون الآخرين
كل منا يعيش حياة واحدة، تصيغ أفكاره وأولوياته وتفضيلاته.. لكن هناك طريقة تجعلنا نعيش حياة أخرى، وهي الانخراط في تذوق الفنون والآداب. فحين تقرأ رواية جيدة، تتقمص أفكار أبطالها.. مهما كانوا مختلفين عنك فكرياً وأخلاقياً واجتماعياً.. وهو ما يدرب عقلك على إدراك تنوع المرجعيات الفكرية والدوافع المختلفة للأشخاص. فمن يخالفنا ليس شيطاناً مريداً بالضرورة، بل قد تكون رؤيته للحياة مختلفة عنا.. فهل نعرف طريقة تفكيره؟
وجد باحثون من جامعة تورونتو «في بحث نشر بدورية كوجنتيف ديفلوبمنت» أن قراءة القصص تساعد في تحسين قدرة الإنسان على استيعاب واستنتاج وجهات النظر الأخرى.. ألا يرى المرء الحياة من عينيه هو فقط، بل يدرك كيفية رؤيتها بأكثر من طريقة، حسب موقع كل شخص في الموقف الواحد.
4 اختلط بالآخر
تعاني مستشفيات أميركية من مشكلة مفادها أن الأطباء يعطون مسكنات الألم بجرعات أقل للمرضى من أصل أفريقي، مفترضين أنهم يشعرون بالألم بنسبة أقل من غيرهم! فكيف أمكن حل هذا الخلل الإدراكي عند الأطباء؟
قام باحثون من جامعة وسكانسن ماديسون بدراسة «نشرت في دورية Pain» وجدوا فيها أن الحل ببساطة هو: اقتراب الأطباء من مرضاهم على المستوى الإنساني ومعايشة ألمهم عن قرب لزيادة التعاطف وإدراك مدى ألمهم الحقيقي!
المعايشة الإنسانية ومخالطة الناس من جنسيات وأديان وثقافات مختلفة، واتخاذ أصدقاء متنوعي الخلفيات المعرفية، كفيل بتحسين صورة الآخر وتقييمه بشكل صحيح.. القدرة على القراءة وتوسيع المدارك لا يتمتع بها كثير من الناس، لذلك يمكن سد هذه الفجوة بخبرات الحياة، التي تكفلها مخالطة الآخرين والتواصل معهم على المستوى الإنساني والعاطفي.
5 رأيك صواب يحتمل الخطأ!
تسامح مع المختلف عنك فكرياً، لأنه قد يكون على قدر من الصواب!
لا تتطرف لرأيك الشخصي وتثق فيه ثقة عمياء، لأن هناك مبحثا كاملا في علم النفس الإدراكي اسمه (المغالطات الإدراكية).. متخصص في رصد الطرق المختلفة التي تضللنا بها عقولنا، وتبعدنا عن الحقيقة دون أن نعي ذلك!
من أمثلة هذه المغالطات: ميلنا للاقتناع بالحجج التي توافق آراءنا المسبقة بغض النظر عن قوة هذه الحجج.. إذ لو ساقها لك شخص من الفريق الآخر لما اقتنعنا بها أصلاً! كما يتأثر تفكيرنا بحالتنا الشعورية، فالشخص الخائف يسوقه تفكيره تجاه الحل الآمن قصير الأمد، بينما المطمئن يفكر في الصورة العامة ويقبل المخاطرة.
كل هذه أمثلة على المغالطات الإدراكية وتغير طريقة تفكيرنا حسب السياق.. وهو ما يعني أن اعتقادنا بأننا على صواب قد لا يعني بالضرورة أننا كذلك فعلاً! أفكارنا هي نتاج تجاربنا وظروف حياتنا والمدخلات المعرفية التي تعرضنا لها بل وحتى تكويننا الجيني، وكل هذا يختلف من شخص لآخر.. لهذا من المستحيل أن يتطابق الناس في طريقة تفكيرهم!
كل طالب علم حقيقي يعرف جيداً أن تفكيره قد يقوده لمغالطة، والحقيقة نسبية تتطور مع الزمن، وما اعتقد الناس قديما أنه حقيقة، لم يعد اليوم كذلك مع تطور أساليب وأدوات البحث. فكِّر كالعلماء والباحثين وتمتع بفضيلة الشك.. ضع في بالك أن رؤيتك للعام قد تكون غير دقيقة أو غير كاملة فلا ترفض احتمال ظهور أدلة جديدة قد تدعم وجهة نظر أخرى..!
كل هذا يقودنا للتسامح مع الاختلاف الفكري.. !