أجابت دار الإفتاء المصرية عن سؤال ورد إليها حول المقصود بـ” عبارة (حاضري المسجد الحرام) قائلة: “إن أهل مكة هم “حاضرو المسجد الحرام” باتفاق، ومن ثَمَّ فلا حرج شرعًا في الإحرام بالعمرة في أشهر الحج من ميقات أهل المدينة ثم إرادة الحجَّ في نفس العام والإحرام به من مكة، ولا يجب هدي ولا دم في هذه الحالة، وذلك بخلاف مَن يبعد مسكنه عن مكة المكرمة مسافة القصر أو الآفاقي، فإنه إذا تمتع بالعمرة إلى الحج يجب عليه الهدي أو الصوم إن لم يجده.
واستعرضت الإفتاء اختلاف الفقهاء في المراد بـ”حاضري المسجد الحرام”، حيث الحكم في هذه المسألة متوقف على بيان المراد من قوله تعالى: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: 196].
قال شمس الأئمة السرخسي في “المبسوط” (4/ 169، ط. دار المعرفة): [وليس للرجل من أهل المواقيت ومن دونها إلى مكة أن يقرن أو أن يتمتع، وهم في ذلك بمنزلة أهل مكة، أما المكي: فلأنه ليس له أن يتمتع بالنص؛ لأن الله تعالى قال في ذلك: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: 196]، واختلف العلماء رحمهم الله تعالى في ﴿حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾.. وقلنا: أهل المواقيت ومن دونها إلى مكة من حاضري المسجد الحرام بمنزلة أهل مكة؛ بدليل: أنه يجوز لهم دخول مكة بغير إحرام فلا يكون لهم أن يتمتعوا] اهـ.
وقال علاء الدين الحصكفي في “الدر المختار” (2/ 593، ط. دار الفكر، ومعه “حاشية ابن عابدين”) في بيان التمتع: [(والمكي ومن في حكمه يفرد فقط)] اهـ.
وذهب المالكية إلى أنهم: أهل مكة وذي طُوَى، وهو: موضع بين الطريق التي يهبط منها إلى مقبرة مكة المسماة بالمعلاة والطريق الأخرى التي جهة الزاهر، وتُسمَّى عند أهل مكة “بين الحُجُونَيْن”؛ كما في “شرح مختصر خليل” للعلَّامة الخرشي (2/ 311، ط. دار الفكر).
قال الإمام القرافي في “الذخيرة” (3/ 292، ط. دار الغرب الإسلامي): [وقد تقدم أن حاضري المسجد الحرام لا دم عليهم، واختُلف فيهم، فقال مالك: هم أهل مكة وطُوى طرف منها] اهـ.
وقال الإمام أبو عبد الله المواق في “التاج والإكليل” (4/ 78، ط. دار الكتب العلمية): [مِن حاضري المسجد الحرام، وهو عند مالك: أهل مكة وأهل ذي طُوى؛ لأنها من مكة] اهـ.
وذهب الشافعية في الأصح عندهم إلى أن “حاضري المسجد الحرام” هم: أهل الحرم ومن قاربهم دون مسافة القصر، وهو المذهب عند الحنابلة.
قال الإمام النووي الشافعي في “المجموع” (7/ 175، ط. دار الفكر): [مِن حاضري المسجد الحرام وهم: مَن مسكنه دون مسافة القصر مِن الحرم…، والصحيح: الأول، وبه قطع الجمهور] اهـ.
وقال علاء الدين المرداوي الحنبلي في “الإنصاف” (3/ 440، ط. دار إحياء التراث العربي): [وقيل: أول مسافة القصر: من آخر الحرم، وهو المذهب. وذكره ابن هبيرة: قول أحمد، وجزم به في “الهداية”، و”المستوعب”، و”الرعايتين”، و”الحاويين”، وقدمه في “الفروع”] اهـ.
وذهب الشافعية في وجهٍ والحنابلة في رواية إلى أنهم: أهل مكة -وهم: أعمُّ من أهل الحرم- ومَن قاربهم دون مسافة القصر.
قال الإمام النووي الشافعي في “المجموع” (7/ 175): [مِن حاضري المسجد الحرام وهم.. وقيل: مَن بينه وبين نفس مكة دون مسافة القصر، حكاه المتولي والبغوي وآخرون من الخراسانيين] اهـ.