بقلم : الكاتب والسياسي/ سيد الأسيوطي

في البداية، وبكل صراحة ووضوح،
لم تعد حملات الحقد التي تُشنّ ضد مصر خافية على أحد، وما يُقال في الغرف المغلقة يُذاع الآن على الملأ بلا حياء ولا حكمة.

فالمشهد العربي والدولي يشهد هذه الأيام حالة غريبة من العداء المعلن والغيرة الفاضحة تجاه الدولة المصرية، وكأنّ البعض — في الإقليم وخارجه — ضاق ذرعًا بدورها التاريخي وجذورها الراسخة التي جعلت منها حجر الزاوية في بناء الأمة العربية، وركيزة الاستقرار في الإقليم، وقوة لا يُستهان بها عالميًا.

إنّ المتأمل في حجم الافتراءات الإعلامية والمواقف المرتبكة التي تصدر من هنا وهناك، يدرك أننا أمام حالتين متناقضتين: إما مراهقة سياسية فقدت اتزانها، أو مكائد محسوبة ومدروسة ومعدة جيدًا تستهدف كيان الأمة من خلال عمقها التاريخي — مصر العظيمة.

ففي السياسة كما في الحياة، المراهقة ليست سنًّا بل حالة فكرية وسلوكية. تظهر حين يندفع البعض بعواطفهم دون وعي، ويتوهمون أن رفع الصوت دليل على القوة، وينشرون الأكاذيب والشائعات المضللة ظنًّا منهم أن الضجيج يصنع قيمة أو يُغيّر واقعًا.

فنرى دولًا حديثة العهد بالاستقرار أو الثروة تسعى لأداء أدوار سياسية أكبر من حجمها. وتتناسى أن الريادة لا تُشترى بالمال، بل تُكتسب بالثبات والمواقف والتاريخ.
ولعلّ ما يزيد المشهد عبثًا أن هؤلاء يتحدثون عن السيادة، بينما قراراتهم تُدار من خارج حدودهم. ويغفلون أن مصر كانت — وستظل — رمز السيادة والقيادة والريادة وميزان العقل العربي، وصمام أمان الأمة، وأن دورها لا يُضعف بأي قوة مؤقتة أو ثروة زائلة.

على الجانب الآخر، لا يمكن إغفال أن ما يجري قد يكون مخططًا محكمًا لإضعاف مصر، وإشغالها بمعارك جانبية عن دورها المركزي.
فمنذ عقود، هناك من يسعى لإعادة رسم خرائط النفوذ في المنطقة، ويرى في قوة مصر خطرًا على أطماعه. هؤلاء يدركون أن سقوط القاهرة يعني سقوط التوازن الإقليمي بأكمله. لذلك تُغذّى الحملات وتُموّل الأبواق لإثارة الشكوك، وبث الفتن بين الشعوب.

لكنهم يجهلون أن مصر واجهت عبر تاريخها أعتى المؤامرات، وخرجت منها أقوى وأكثر صلابة، لأنها ببساطة دولة لا تعرف الانكسار، وقادرة على صناعة المستقبل على كافة المحاور والمستويات، ودورها الإقليمي والدولي لا يُعلى عليها مهما اشتدت العواصف.

إن ما يحدث اليوم ليس سوى جولة جديدة في معركة الوعي، معركة بين من يصونون العروبة ومن يعبثون بها.
ولْيَعْلَم الجميع أن مصر لا ترد على الصغار بالصوت، بل بالفعل، ولا تُجاري الغوغاء، بل تصنع التاريخ بهدوء وكرامة.

فكما قال أحد الحكماء:

> “قد يظنّ البعض أن النيل يمكن أن يجف، لكنهم يجهلون أن مجرى التاريخ يبدأ من ضفافه.

تحيا مصر بعزّها وجيشها وقيادتها وشعبها،
وتبقى كما كانت دائمًا… قلب الأمة النابض، ودرعها الواقي، وصوت الحق في زمنٍ غاب فيه الصدق.
ومهما حاولت المؤامرات أو صغار النفوس، سيظل التاريخ شاهدًا على صمودها، وسيظل المستقبل مرسومًا على ضفاف النيل العظيم، حيث تبقى مصر منارة الأمل لكل العرب، وصوت الحكمة للعالم أجمع.

Loading