مثالية الإنطباع وإختلاف الطباع

بقلمي جمال القاضي

قبل الزواج نرى مثالية الإنطباع وبعد الزواج نرى إختلاف الطباع فتتضح لنا الصورة التي لم نكمل من قبل كل تفاصيلها .

فلماذا نرى أن الصورة التي عرفناها قبل الزواج مختلفة تماماً عن بعد الزواج ؟ ماهي الأسباب ؟ هل تغير من كنا نعرفه من قبل وأصبح شخصاً لانعرفه ؟ أم أننا رسمنا له صورة تحمل جانباَ واحداً من جوانب شخصيته فكانت الإختلاف بعد أن رأينا الجانب الآخر ؟ ولماذا دائما نسأل أين ذهبت الصورة الأولى ؟

تلتقط المرأة صورة عن الرجل الذي سوف يكون زوجها ويلتقت الرجل صورة عن الفتاة التي ستصبح زوجته ، في لقطة سريعة جدا للوهلة الأولى من المعرفة ، يرى فيها وتري فيه جانباَ واحداً هو ذلك الوجه المضيء الذي يرغب أن يراه ، ثم نبقي تلك الصورة محفورة ومحفوظة في خيالنا ، مثالية الإنطباع ، لاتشوبها أي شائبة ، ولا يخالطها أي عيب من العيوب ، هكذا مانرغب به ونتمناه أن يكون ، نغفل ونغمض أعيننا ولانحاول في أن نفتش وننبش في أي تفاصيل ، لكن نصطدم بالواقع فتصبح الصورة مخالفة للواقع .

والسؤال هنا حين يأتي الزواج وبعده لكلا الطرفين يكون ، لكن من الرجل يصبح السؤال أكثر إلحاحاً ، وكأنه جاء بمطرقة ليطرق بها رأس زوجته ، ولايمل من تكراره ، الا وهو : لماذا صرت هكذا ؟ لماذا تغيرت طباعك عن التي كنت من قبل عنك أعرفها ؟ لماذا أصبحت في تفكيرك رجعية ؟ لماذا ولماذا ولماذا ؟

حقا تساؤلات غريبة ، تجعل الزوجة في حيرة من أمرها ، ولاتجد ما تصمت بها الأفواه بإجابة يقتنع بها فلا يعاود تكراره مرة آخرى بعدها ، متعجبة منه فهي ترى في داخلها أنها لم تتغير للأسوأ بل كان تغيرها دائما للأفضل في محاولة لإرضاء زوجها ، لكن ترى عكس ماكانت تتوقع منه من رد فعله العجيب والمحبط لمعنوياتها في كل مرة .

والتفسير هنا ، هو أن الرجل بصورته الأولى عنها كانت للجانب الإيجابي ، فلو تعمق في فهم كل جوانب شخصيتها من البداية لم يكن أبدا هناك إختلاف في هذه الصورة ، كيف لايكون على هذا التفكير وهو الذي تربى من البداية تربية غير سوية ، حيث كانت نشأته في أسرة دائما كانت تفرق بين الذكر والأنثى ، أخذ منها معتقداً خاطئاً وهو أن المرأة دورها في هذه الحياة ليس سوى خدمة الرجل وطاعته دون أن يكون لها أدني الحقوق في الرفض أو القبول أو إبداء الرأي ، فكان عند إعتراضها له كزوج يعد ذلك مخالفاً لما تربي عليه وتعوده ، هذا إلى جانب أن الزوج لايدرك في تعامله سوى أن يحصل على مايريد منها دون رفض منها تحت أي ظرف من الظروف ودون أيضاً أن يراعي م مشاعرها أو أن يفهم ظروفها النفسية والجسدية وإختيار الوقت الذي يناسب وقبولها لرغبته ورغبتها في أمر ما فلايصبح هناك أي توافق فيما بينهما ، فكان هذا أيضاً سبباً يضاف لتلك الأسباب التي غيرت الصورة والإطباع السابق عنها .

والأمر لايقتصر عن رفض الزوجة بواقعها عن صورتها التي صارت مختلفه على حد زعم الزوج عنها ، بل يمتد ليشمل وابلاً من الإحباطات القاتلة لمعنوياتها ، والتي تفقد معها الزوجة ثقتها بنفسها ، الأمر الذي قد يجعلها تقدم غصباً على طلب الطلاق منه ، وإن تعذر ذلك لظروف الإجبار من الأهل قد تنهي حياتها منتحرةً ظناً أن ذلك هو السبيل الوحيد والخلاص من واقعها المرير ، للتخلص نهائيا من هذه الإتهامات المقصودة القول ، الكاذبة للواقع والقاصدة إحباطها وكسر عزيمتها وهزيمة قوتها ، وذلك بإتهامها الدائم بالتقصير في واجباتها ، وكذلك بوصفها إما بزيادة وزنها الذي صارا مفرطاً في بعض الأحيان ، أو إتهامها بالنحافة في أحياناً آخرى ، أو قصر هامتها ، أو كبر سنها المفاجئ وظهور تجاعيد على وجهها ، أو خلو فمها من الأسنان ، وغيرها وغيرها من تلك الأشياء التي لم يكن لها ذنباً فيها وفي حدوثها وقد لاتكون فيها مطلقاً لكن قاصداً إحباطها دائماً .

وأخيراً إن الله قد جعل الزواج سنة بين البشر من أجل البقاء والإستمرار والتكاثر ، وجعله الله أيضاً للتعارف فيما بينهم ، وجعل ذلك بعقد مشروع ، لكل طرف فيه حقوقاً ، هي في ذات الوقت واجبات على الطرف الآخر ، وجعل الله فيه أيضاً مودة ورحمة بهذا الرباط ، وجعل الزوجة سكناً للرجل ، حين قال الله سبحانه وتعالى ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾
[ الروم: 21]

فإن فقد السكن مفردات الراحة فيه لم يصلح البقاء به ، فعلى الزوجة أن تعمل جاهدة على أن تجعل من نفسها سكنا لزوجها ليشعر معها بالراحة حين يدخل هذا السكن ،

ولكي يبقى هذا السكن والبنيان الذي فيه الزوجة قويا وقائما ، على الزوج أن يتقي الله في زوجته وأن يقبل بها عيوباً ومميزات، وإن وجد بها مميزات يباركها ، وإن كان بها عيوباً يقومها بالحسنى ، وإن استحال الوصل فيما بينهما فليسرحها سراحاً جميلاً دون أن يهين أنوثتها ويحافظ على ماكان منها من جميل وخير سرا يبقى بداخه منها أثراً طيباً دائماً.

مثالية الإنطباع وإختلاف الطباع

Loading