يرى المحلل الاقتصادي ديفيد لوبين أنه مهما كانت شدة تأثر رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، بسبب نتيجة الانتخابات العامة التي أجريت مؤخرا، وخسارته للأغلبية المطلقة في البرلمان لأول مرة منذ عشرة أعوام، فإنه سيتعين عليه الآن التفكير بجدية بشأن أفضل الطرق المؤدية إلى “الهند المتقدمة” (أو /فيكسيت بهارات/). ويعد هذا هو الهدف المئوي بالنسبة للحكومة، والذي يحدد عام 2047 باعتباره العام الذي ستتخلص فيه البلاد من مكانتها كاقتصاد ناشئ.

وقد حصل حزب “بهاراتيا جاناتا” الذي ينتمى له رئيس الوزراء الهندي، على 240 مقعدا من أصل 543 مقعدا في البرلمان، بحسب بيانات لجنة الانتخابات الصادرة يوم الاربعاء الماضي بعد فرز جميع الأصوات. وعلى الرغم من أن الحزب حصل على معظم الأصوات، فإنه سيتعين عليه أن يعتمد على شريكين ائتلافين لتشكيل الحكومة.

ويقول لوبين الباحث البارز في برنامج الاقتصاد العالمي والتمويل التابع للمعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس)، إنه من أجل تحقيق هدف الحكومة – وتسريع نمو إجمالي الناتج المحلي بالقدر الذي يسمح بتوفير فرص عمل، والقضاء على الفقر، وتحقيق ثروات، وتعزيز نفوذ الهند العالمي – هناك سؤال أساسي يتعين الإجابة عليه، وهو: هل يتعين على الهند أن تميل أكثر نحو التميز في التصنيع، أم ينبغي لها تكريس المزيد من الجهود لتطوير صناعات الخدمات لديها؟

ويقول لوبين في تقرير نشره معهد “تشاتام هاوس” البريطاني، ، إنه قد تكون هناك بعض الحجج اللائقة لتحيز الاقتصاد الهندي لصالح الخدمات، ولكن الحقيقة هي أن مودي سيحافظ على تركيزه الصارم – إلى حد ما – على تعزيز براعة التصنيع في بلاده.

ويتجلى تحيز الحكومة الهندية نحو التصنيع بشكل واضح في مجموعة الإعانات التي قدمتها لدعم هذا القطاع. وفي صميم هذا الأمر، هناك مجموعة من الحوافز المرتبطة بالإنتاج، والتي تقدم إجمالي 28 مليار دولار من الإعانات للشركات في 14 قطاعا، كوسيلة لتشجيع الزيادات في الإنتاج.

ويضيف لوبين أن صناعة أشباه الموصلات كانت أيضا من بين القطاعات المتلقية للسخاء الحكومي، حيث تم توفير مبلغ إضافي لها بقيمة 10 مليار دولار.

وكان الاستثمار في البنية التحتية المادية، إشارة أخرى إلى جدية نيودلهي في تعزيز التصنيع: حيث تضاعف الإنفاق الرأسمالي للحكومة المركزية بصورة فعلية خلال الاعوام العشرة الماضية، ليصل في الوقت الحالي إلى 2ر3% مقابل  6ر1% من إجمالي الناتج المحلي في السنة المالية 2015.

ولكن ماذا عن صناعات الخدمات؟ يقول الخبير الاقتصادي راجورام راجان، (وهو ليس من محبي مودي)، والذي شكك في كتاب تم طرحه مؤخرا، في الحكمة وراء ولع مودي بالتصنيع إنه يتعين إيلاء المزيد من الاهتمام بالنسية لصناعات الخدمات في الهند.

وهناك ثلاثة مسارات يعتمد عليها رأي راجان.

أولا، سيكون من الصعب ولن يكون من الحكمة أن تتنافس الهند بصورة مجدية في قطاع التصنيع مع دول “أكثر استبدادية” مثل الصين وفيتنام التي لا يؤرقها قمع حقوق العمال.

ثانيا، لقد تسببت سياسات الهند الحمائية في استبعاد الدولة من اتفاقيات التجارة والاستثمار، التي من شأنها أن تدمج قطاع التصنيع بصورة أكثر قوة مع الدول الأخرى، وأن تسمح للهند بالقيام بدور كامل في سلاسل الإمداد العالمية.

ويُعَد غياب الهند عن “الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية في آسيا” مثالا بارزا بشكل خاص، حيث يعكس حالة الجمود العام تجاه الصفقات التجارية.

وتماشيا مع هذه السياسة الحمائية، فقد ارتفع متوسط ​​تعريفة الهند الجمركية على الواردات من 5ر13% في عام 2014 إلى 18% في عام 2022.

وأخيرا، يرى راجان أن أغلب القيمة المضافة لأي منتج عادة ما لا تأتي من التصنيع ذاته، ولكن من الخدمات المرتبطة بالتصنيع، من بحث وتطوير، وتصميم، وتسويق، وتعبئة وتغليف، بالاضافة إلى العلامات التجارية التي تحيط به.

و يقول لوبين إنه قد يكون راجان على حق في تشجيع التحيز تجاه تطوير الخدمات. فهو قطاع واسع من الاقتصاد الهندي يشمل تكنولوجيا المعلومات والشؤون القانونية والمحاسبة والخدمات اللوجستية والاستشارات.

ومن الجدير بالذكر أن أداء قطاع التصنيع في الهند، لم يكن بصورة جيدة للغاية فيما يخص بعض الإجراءات خلال أول فترتين لمودي في منصبه. وقد تراجعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الهند خلال الاعوام الأخيرة.

وفي الواقع، كانت القيمة المضافة الصناعية – كحصة من إجمالي حجم الاقتصاد – أقل قليلا في العام الماضي بنسبة 17%، مقابل ما كانت عليه عندما تولى مودي منصبه لأول مرة في عام 2014.

وأوضح لوبين في نهاية تقريره إن الهند تجتذب هذه الأيام إجمالي تدفقات من الاستثمار الأجنبي المباشر بأقل من 30 مليار دولار سنويا، وهو انخفاض ملحوظ مقابل أكثر من 50 مليار دولار في المتوسط تمكنت الهند من اجتذابها خلال الفترة ​​بين عامي 2019 و2022.

Loading

By عبد الرحمن شاهين

مدير الموقع الإلكتروني لجريدة الأوسط العالمية نيوز مقدم برنامج اِلإشارة خضراء على راديو عبش حياتك المنسق الإعلامي للتعليم الفني