كانت شوارع المدينة تنام في صمتٍ عميق إلا من أصوات المكنسات التي تهمس عند الأرصفة,عم سعيد 57 سنة، عامل نظافة الذي لم يعرف الراحة منذ سنوات طويلة، كان يكنس كأنه يكنس الهم والتعب عن صدره , في كل ليلة يحدث نفسه,متى تأتى ساعة الراحة والخلاص من تلك المتاعب,لكن فى ليلته هذه كان يردد
“رب رزق يأتي من حيث لا أحتسب وأفوض أمري إليك”
لم يكن يعلم أن رزقه تلك الليلة هدية القدر أو الصدفة, بل سيكون اختبارا كبيرا, بينما كان يجمع القمامة أمام فندق فاخر، لمح حقيبة صغيرة تحت المقعد الخشبي
رفعها، ظنها نسيها أحد النزلاء، لكن حين فتحها اتسعت عيناه
رزم منظمة من المال، وجواز سفر، ومفاتيح سيارة فارهة
جلس عم سعيد على الرصيف مذهولا, يداه ترتجفان، وصدره يعلو ويهبط بسرعة, لم يكن المال حلما بعيدا، كان أمامه، يلمسه بأصابعه, لكنه أيضا خوف يهمس في أذنه
“من تركها سيعود يبحث عنها وإن علم أنك وجدتها، قد تتهم بسرقتها”
أغلق الحقيبة بسرعة وقرر أن يخفيها في عربته حتى الصباح، ثم يسلمها للشرطة, لكن القدر لم يمنحه الوقت, في الصباح الباكر، انتشر خبر سرقة مبلغ كبير من الفندق، ومفقود حقيبة لرجل أعمال
سعيد تجمد مكانه, بدأ الخوف ينهشه من الداخل إن سلمها الآن، سيتهمونه وإن احتفظ بها، سيحترق ضميره.
قضى النهار بين التردد والقلق، وفي الليل قرر أن يذهب بنفسه إلى الفندق ويبحث عن صاحبها, دخل مترددا، وطلب مقابلة مدير الأمن, حين رآه الرجل، نظر إليه بريبة
“من أنت؟ وماذا تريد؟”
أخرج سعيد الحقيبة من تحت معطفه، ووضعها على الطاولة بهدوء
“هذه حقيبتكم وجدتها فجراليوم أمام الفندق”
تبادل الحراس النظرات، ثم اقترب رجل وقور من الخلف صاحب الحقيبة نفسه, تأمل سعيد طويلا، ثم قال بابتسامة باهتة
“كنت أراقب من الكاميرات منذ الأمس أردت أن أرى، هل ما زال في الناس أمانة؟
صعق سعيد، لم يدرِ ماذا يقول
ضحك الرجل بخفة وأخرج ظرفا صغيرا
“كنت أختبر موظفي الفندق، لكن القدر اختارك أنت لتعلمني درسا لا يشترى بالمال”
فتح الظرف فإذا فيه عقد عملٍ جديد في شركته، وراتب كريم، ومنحة لابنته في الجامعة وقال له أنت رجل أمين وقد أراد الله أن يكافئك على صبرك وأمانتك.
خرج سعيد من الفندق وهو لا يصدق ما حدث، ينظر إلى السماء
![]()
