كتب رفعت عبد السميع
تصوير محمد بوتا
احتفالية رائعة تلك التي أقامتها سفارة انجولا بمناسبة عيد الاستقلال الخمسين شهدها سفراء القارة السمراء وعميد السلك الدبلوماسي الافريقي الدكتور محمدو لابرانح سفير الكميرون وسفراء البرتغال وكوبا ورواندا وتنزانيا وكينيا وزامبيا ومالاوي وبوركينافاسو وكوت دي يفوار ومنغوليا وموزمبيق وممثلا عن الحكومة المصرية المهندس شريف الشربيني وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة وفي كلمته بهذه المناسبة قال سعادة السفير ماكنتوسنتيا ولوبيز سفير جمهورية انجولا بالقاهرة
تحتفل أنغولا هذا العام بالذكرى الخمسين لارتقائها إلى مصاف الدول المستقلة. خمسون عامًا فقط، أي بفارق خمسة عشر عامًا عن أغلب الدول الإفريقية التي نالت استقلالها في عام 1960، ناهيك عن تلك التي سبقَتها.

خمسون عامًا تُعَد فترة قصيرة في عمر الأمم، لكنها كانت كافية لتُكسبنا دروسًا مهمة وتُمكّننا من تحقيق إنجازات كبيرة وملموسة كدولة مستقلة.

القصة طويلة، إذ إن القرن الخامس عشر شهد وصول أوائل البحّارة البرتغاليين وبداية فترة طويلة من الاحتلال الاستعماري للأراضي التي تُشكّل اليوم جمهورية أنغولا. وقد تحوّلت تلك الرحلات الاستكشافية إلى أدوات للتوسّع والسيطرة الاستعمارية، فانتشر الاتجار بالبشر، ونهب الموارد، وطمس الثقافات المحلية، والتمييز، وسواها من المآسي التي طبعَت الحقبة الاستعمارية بطابعها القاسي.

كانت مقاومة أجدادنا للاحتلال في الممالك الأنغولية المختلفة ضرورية لإيصال رسالة عدم الاستسلام، لكنها لم تكن كافية لمنع استمرار تلك الحقبة الطويلة من السيطرة الأجنبية.

وفي عام 1961، أطلق الوطنيون الأنغوليون شرارة النضال المسلح الذي أثبت أن طريق الحرية لا رجعة فيه. فثورة بايشا دي كاسانجي في 4 يناير، والهجوم على سجون لواندا في 4 فبراير، والهجمات على مزارع البن في شمال أنغولا في 15 مارس من العام نفسه، كانت أحداثًا فاصلة ألهمت الكفاح الوطني الذي تُوّج فجر يوم 11 نوفمبر 1975 بإعلان الاستقلال الوطني على يد الرئيس الراحل أنطونيو أغوستينيو نيتو.

غير أن الاستقلال لم يجلب معه السلام والاستقرار المنشودَين لبناء الدولة الجديدة، إذ انزلقت البلاد إلى حرب طويلة ومدمرة أودت بحياة ملايين الأنغوليين، ومزّقت اقتصادنا، ودمّرت معظم البنى التحتية الأساسية، وشتّتت الأمة، وأجّلت أحلام أجيالٍ متعاقبة. كانت الحرب بين الأنغوليين أنفسهم أكثر قسوة ودمارًا من حربنا ضد الاستعمار.

استمرّ الصراع سبعةً وعشرين عامًا، ولم ينتهِ إلا في عام 2002 بتوقيع اتفاقية السلام، آخر سلسلة من الاتفاقات المماثلة، والتي لا تزال سارية حتى اليوم، ونأمل ونتمنى أن تبقى كذلك إلى الأبد.

وفيما نحتفل بمرور خمسين عامًا على الاستقلال، ورغم أننا لم نعش سوى ثلاثةٍ وعشرين عامًا في ظل السلام، فإن كل مواطن أنغولي يسأل نفسه: “أيّ أنغولا لدينا بعد خمسين عامًا؟” — مقارنةً بما قبل نوفمبر 1975 وما بعده.

وأول ما يلفت نظر أيّ مراقب هو النمو السكاني الكبير، إذ ارتفع عدد السكان من نحو 6.5 ملايين نسمة عام 1975 إلى ما يقارب 35 مليون نسمة اليوم، وفق تقديرات المعهد الوطني للإحصاء.

ووفقًا لتقديرات البنك الدولي واليونيسف ومنظمة الصحة العالمية، كانت متوسطات العمر خلال أول 25 عامًا من الاستقلال (فترة الحرب) لا تتجاوز 41 عامًا، بينما كانت نسبة وفيات الأطفال 134.5 لكل 1000 مولود حي، ووفيات من هم دون الخامسة 200 لكل 1000 مولود حي. أما اليوم، وحسب مؤشر التنمية البشرية لعام 2025، فقد ارتفع متوسط العمر المتوقع في أنغولا إلى 64.6 عامًا، أي أن الأنغوليين يعيشون حاليًا أكثر بـ23 عامًا مما كانوا يعيشون في نهاية الحقبة الاستعمارية.

وبفضل الاستثمارات الضخمة، بات النظام الوطني للصحة يضم اليوم 3,355 مرفقًا صحيًا مقارنةً بـ 320 فقط عام 1975، ويوفّر 44,222 سريرًا، منها 1,609 للعناية المركزة.

ولم يكن هذا ممكناً دون الاستثمار في رأس المال البشري لمواكبة توسّع المؤسسات الصحية وتطور العلوم والتقنيات. ففي الفترة من 2017 إلى 2024 تمّ توظيف 46,649 من الكوادر الصحية الجديدة، من بينهم 3,828 طبيبًا، و27,276 ممرضًا، و10,283 فنيًّا في التشخيص والعلاج، و3,792 فني دعمٍ بالمستشفيات، و1,470 موظفًا إداريًا. وتمثل هذه الأرقام زيادة بنسبة 43.6% في إجمالي القوى العاملة في قطاع الصحة منذ عام 2018. وجدير بالذكر أن أنغولا كانت تضم عام 1975 تسعة عشر طبيبًا فقط.

أما النظام التعليمي الاستعماري، فقد كان عام 1973 يضم 608,607 طالبًا فقط في جميع المراحل التعليمية. ويُظهر ذلك ثِقَل الإرث الاستعماري الذي دام خمسة قرون، إذ كان 85% من الأنغوليين أميين عند نيل الاستقلال.

وقد انخفضت نسبة الأمية بشكل ملحوظ إلى نحو 24% من السكان اليوم، فيما ازداد عدد الطلاب والمعلمين أضعافًا كثيرة. وللعام الدراسي 2025/2026، بلغ عدد التلاميذ المسجّلين أكثر من 9.6 ملايين طالب، وعدد الفصول الدراسية 126,204، وعدد المعلمين 208,488.

ويمكنني الاستمرار في سرد التقدّم المحرز في مجالات أخرى — كالأشغال العامة التي تشمل بناء الطرق والمطارات والموانئ والمساكن، إضافة إلى الرياضة والزراعة والتعدين والصيد البحري والصناعة — لكني أكتفي بما ذكرت، وأؤكد لفخامتكم أن أنغولا ما زالت تنهض وتفتح المجال الواسع أمام الدول والشركات التي تمثلونها للمشاركة في التعاون القائم بيننا.

من واجبي أن أُقرّ بالدور المهم الذي أدّته روح التضامن الدولي في جميع المراحل الحاسمة من تاريخ أنغولا، إذ إن نجاح كفاحنا من أجل التحرر الوطني لم يكن بفضل شجاعة الأنغوليين وحدهم، بل أيضًا بدعمٍ من دولٍ شقيقة مثل غانا بقيادة كوامي نكروما، وغينيا بقيادة سيكو توريه، وتنزانيا بقيادة جوليوس نيريري، والجزائر بقيادة بن بيلا، وتونس بقيادة الحبيب بورقيبة، ومصر بقيادة جمال عبد الناصر. كما لا يمكن إغفال الدور الحاسم للدول المجاورة التي استقبلت اللاجئين الأنغوليين، وعلى رأسها جمهورية الكونغو الديمقراطية.

وتعترف أنغولا أيضًا بالدعم الكبير الذي قدمه الاتحاد السوفيتي السابق ودول الكتلة الاشتراكية في أوروبا الشرقية، والذي كان حاسمًا في الدفاع عن سيادة البلاد ووحدة أراضيها.

وأود أن أخص بالتحية زميلي سفير كوبا، ذلك البلد الذي أرسل في أصعب مراحل الحرب في أنغولا أفضل قواته للدفاع عن وطننا.

وإنها لفرصة مناسبة لأتقدم، باسم جميع الأنغوليين الحاضرين هنا، بالشكر إلى جميع دول العالم، سواء كانت ممثلة في هذه القاعة أم لا، على دعمها المتواصل لمسيرة بناء وطننا العزيز.

واليوم، في معركتنا ضد الجوع والفقر والتفاوت الاجتماعي، لا تقف أنغولا وحدها، بل تواصل الاعتماد على دعم الدول والمؤسسات العامة والخاصة، وكذلك الأفراد الذين يؤمنون بالإصلاحات الجارية ويختارون المشاركة في مسيرة بناء الوطن والمساهمة في الاستثمارات التي تهدف إلى تحقيق الازدهار لجميع الأنغوليين.

وفي الختام، أود أن أوجّه تحية خاصة إلى ممثلي الحكومة المصرية وإلى ممثلي الشركات المصرية المشاركين في هذا الحدث البسيط، شاكرًا جهودهم التي أسهمت في تعزيز علاقات الصداقة والتعاون بين بلدينا، والتي تعكس العلاقات المتميزة بين رئيسيْ بلدينا، فخامة الرئيس جواو مانويل غونشالفيس لورينسو وفخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي
ومن جانبه قال المهندس شريف الشربيني وزير الإسكان يشرفني أن أقف أمامكم اليوم لأعبر نيابة عن حكومة جمهورية مصر العربية عن أحر التهاني إلي حكومة وشعب جمهورية انجولا بمناسبة احتفالهم بالعيد الوطني كما يسعدني أن أعبر عن خالص التقدير والامتنان لسعادة السفير علي دعوتكم الكريمة وحسن الاستقبال وكرم الضيافة الذي حظينا به هذا المساء وهو تجسيد حي لروح الصداقة والتعاون التي تجمع البلدين منذ فجر العلاقات بين مصر وانجولا كانت شراكتنا تقوم على رؤية مشتركة قائمة على الاحترام المتبادل والرغبة الصادقة في التعاون البناء في مختلف المجالات وقد مثل دعم مصر لاستقلال انجولا في ستينات القرن الماضي باستضافتها لأول مكتب إقليمي لحركة التحرير الانجوليه في القاهره عام 1965 كذلك شراكة قائمة على التضامن والنضال من أجل الحرية وتقرير المصير وفي السنوات الأخيرة سادت هذه الشراكة زخماً ملحوظاً تجلي بوضوح في الزيارة التاريخية التي قام بها فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلي انجولا في يونيو 2023 وهي أول زيارة لرئيس مصري منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية عام 1976 وقد جسدت تلك الزيارة التزام مصر الحقيقي بالارتقاء بعلاقتها مع انجولا إلي آفاق اوسع واستمر هذا الزخم بزيارة فخامة الرئيس جواومانويل غونشالفيس لورينسو إلي القاهرة في ابريل عام 2025 والتي اكدت المسار الطموح والمتنامي لعلاقة تجاوزت الأطر التقليدية ودفع افاق جديده للتعاون أن مصر على أتم الاستعداد لتقديم خبرتها ومعرفتها لدعم هذا التوجه ولعل ممرمومبيتو مثالاً واعدا من المشاريع الافريقيه التي تجسد رؤيتنا المشتركة في مستقبل القارة ونرحب بالجهود الجارية لتنظيم بعثة أعمال إلي انجولا في المستقبل القريب وهي مبادرة تعكس متانة الروابط بين بلدينا والرغبة المشتركه في التعاون في هذه المجالات الحيوية مرة أخرى لكم من كل مصري خالص التهنئه بهذا اليوم العظيم مع اطيب الامنيات لانجولا وشعبها بالتقدم والازدهار

Loading

By عبد الرحمن شاهين

مدير الموقع الإلكتروني لجريدة الأوسط العالمية نيوز مقدم برنامج اِلإشارة خضراء على راديو عبش حياتك المنسق الإعلامي للتعليم الفني