بقلم: دكتور احمد يوسف الحلوانى
باحث فى الشريعة الاسلامية

الحمد لله الذي جعل ‌الصّلح ‌خير ما انعقدت عليه المصالح، وجعل الإصلاح بين النّاس أولى ما اتّصلت به أسباب المفالح ، وأحقّ ما نطقت به ألسن المحامد وأثنت عليه أفواه المدائح.


الحمد لله على نعمه التي جمعت أشتات القلوب ، وأضافت إلى ضياء الشّمس نور القمر فاهتدى بهما كلّ غاد ورائح ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تبلّغ قائلها أهنى المنائح ، وتتعطّر مجالس الذّكر بعرف روائحها الرّوائح، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل من آخى بين المتحاكمين فنصح لله ورأى الصّلح من أعظم النّصائح .
ولقد حذرنا الله تعالى من السقوط في علل اهل الاديان السابقة ، وقص علينا تاريخهم للعبرة والحذر، فقال: {ولاتكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون}
واعتبر الاختلاف الذي يسبب الافتراق والتمزق ابتعادا عن أي هدي للنبوة او انتساب لرسولها صلى الله عليه وسلم حين قال تعالى:
{ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء … .}
وقد قال النبى (صلى الله عليه وسلم) فى البغضة إنها الحالقة يعنى : (حالقة الدين لا حالقة الشعر).


وقال أبو منصور الماتريدي – رحمه الله – لا يعمل الشيطان في إيقاع العداوة والبغضاء في بني آدم مثل ما يعمل من إبطال الصلح على الإنكار، وهذا صحيح ؛ لأن في منع هذا الصلح فتح باب المنازعات وإثارة النائرات بين الناس وإقامة الفتن والمكايدات، ألا ترى إلى ما حكي أن فتنة وقعت في قبيلة بسبب تهمة غلام فهاجت بينهم حتى قتل منهم أربعون ألفا فامتدت الحرب بينهم إلى أن وقع الصلح فانطفأت النائرة .
وقد آن الآوان أن نترك مصالحنا الشخصية واهواء قلوبنا النرجسية وألا نستمع الى صوت الفرقة والخلاف والشتات فى معارك سوف يخرج الجميع منها خاسر لأنها تنهش فى جسد الامة الجريح .


فالصلح ‌خير فى كل شيء خيرمن التمادي على الخلاف والشحناء وخير من البغضاء التى هي قواعد الشر، والصلح خير وإن كان فيه صبر مؤلم فعاقبته جميلة
يقول الشاعر

‌الصلح ‌خير وأحرى أن يلاذ به …… ما لم تدس حرمات الله بالقدم
طال الشقاق بنا يا قوم وافترقت …… منازع الهم فاستعصت على الهمم
هيا بنا نبتهل يا قوم قاطبة …… ونرفع الصوت بالشكوى ونحتكم
يا رب من كان في الإسلام مبتدعا …… منا فوفقه للإقلاع والندم
……
فعلى المسلمين أن يتعاونوا فيما بينهم حتى يتمكنوا من تجاوز الحدود والقيود الضيقة والعصبيات المغلقة المورثة للمنازعات والخلافات الجزئية ؛ لأن رابطة الأخوة القائمة بينهم أقوى وأصلب من العلاقات الجنسية (التجنس) ومضايقات العنصرية، ولأن مصيرهم وأهدافهم في الحقيقة واحد.

Loading