كتب _ عبدالرحمن شاهين
تحت هذا السؤال المحمّل بالدلالات، تختبئ أزمات سياسية وإنسانية تمتد لأكثر من سبعين عاماً. “من يوقف إسرائيل؟” ليس مجرد استفسار حول القدرة العسكرية أو الإرادة الدولية، بل هو صيحة تعبر عن معاناة شعوب بأكملها، وتظهر عجزاً أو تواطؤ نظام دولي أمام تجاوزات مستمرة لقوانين حقوق الإنسان وقرارات الشرعية الدولية.
منذ تأسيسها في عام 1948، تبنت إسرائيل سياسات توسعية تعتمد على القوة العسكرية والدعم الغربي، خاصة من الولايات المتحدة. وقد تجاهلت بانتظام قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، واستمرت في احتلال الأراضي العربية، وبناء المستوطنات، وقتل المدنيين، وفرض حصارات خانقة، كما هو الحال في غزة.
على الرغم من كل ذلك، لم تُفرض عليها عقوبات دولية فعّالة، ولم يُحاسب قادتها أمام محكمة الجنايات الدولية عن جرائم موثقة تُعتبر جرائم حرب. بل إن الخطاب الغربي غالباً ما يبرر أفعال إسرائيل تحت مبرر “الدفاع عن النفس”، بينما يُمنع الفلسطيني من التعبير عن ألمه.
العالم العربي، المفترض أن يكون الداعم الرئيسي للقضية الفلسطينية، يعيش حالة غير مسبوقة من الضعف والانقسام والصراعات الداخلية، حيث تركز دول على قضاياها ودول أخرى تُطبّع علاقاتها مع إسرائيل تحت شعارات مثل “السلام” و”الاستقرار”، مما جعل القضية الفلسطينية عبئاً على كثير من الأنظمة.
إن غياب موقف عربي موحد، وانعدام الإرادة السياسية، جعل إسرائيل مطمئنة أن ردود الفعل العربية، مهما كانت مؤلمة، لن تتجاوز حدود بيانات الإدانة. بينما يُرفع شعار “حقوق الإنسان” في العالم، يصمت كثيرون أو يبررون الفظائع حين يُسفك دم الفلسطينيين. القوى التي تدعو لوقف إطلاق النار في مناطق النزاعات الأخرى، تسلح إسرائيل وتدعم آلة الحرب التي تقتل وتدمر، مما أدى إلى فقدان النظام الدولي لمصداقيته.
هل يمكن لقوة عسكرية أن توقف إسرائيل؟ في الوقت الراهن، قد تبدو موازين القوى لصالحها. هل يمكن للضغط الدولي أن يوقفها؟ دون تغيير في مواقف القوى الكبرى، سيظل ذلك صعباً. هل الزمن هو من سيوقف الاحتلال؟ التاريخ يوضح أن الاحتلال لن يدوم، وكل القوى الاستعمارية عانت من السقوط في النهاية. “من يوقف إسرائيل؟” سؤال لا يمكن الإجابة عليه بجواب واحد، بل يحتاج إلى مجموعة من التحولات والمواقف. ومع ذلك، يبقى السؤال مهماً لإحياء الحق والعدالة والإنسانية، لأن السكوت عن الظلم هو جريمة في حد ذاته.
هذا السؤال لا ينبع من فضول بل من ألم وغضب وخذلان. ليست إسرائيل مجرد كيان محتًل، بل أصبحت آلة دمار تعمل بلا حدود، تقتل بلا تمييز، وتحطم البيوت فوق رؤوس ساكنيها، وتقتل الأحلام في مهدها. تمارس عنصريتها واحتلالها وكأنها محصنة من التاريخ، مدعومة من نظام عالمي لا يعتبر دماء الفلسطينيين سوى هامش يمكن تجاوزه.
إسرائيل تأسست على المجازر والأرض الملوثة بدماء الأبرياء، وتواصل اليوم ما بدأه مؤسسوها تحت شعارات براقة لا تنطلي إلا على من يُريد أن يُخدع. تدعي أنها واحة ديمقراطية بينما تمارس أشد أشكال الفصل العنصري والتهجير والقتل. تتحدث عن الدفاع عن النفس بينما تمارس الغزو والاحتلال. تروج للقانون بينما تنتهكه يومياً.
لا يوقف إسرائيل حق الفيتو الأمريكي، ولا المناشدات المتواضعة من بعض العواصم الأوروبية. لا يوقفها صمت الأنظمة العربية التي تآكلت إرادتها واختارت التطبيع بدلاً من المواجهة. لا توقفها وسائل إعلام تزيّف الحقائق أو منظمات حقوقية تحصي الضحايا كأرقام بلا وجوه.
مع ذلك، إسرائيل ليست قدراً محتومًا. هي كيان هش يستقوي بالقتل لأنه يخاف الحقيقة، ويختبئ خلف أساطيره لأنه يعلم أن شرعيته مصطنعة. “من يوقف إسرائيل؟” يمكن أن توقفها الشعوب إذا نهضت، أو المقاومة إذا أخلصت، أو الكلمة الصادقة إذا وصلت. ويوقفها التاريخ إذا تحرك. إسرائيل ليست قوية، بل نحن الضعفاء لأننا قبلنا أن نشاهدها تقتل وتسلب ثم نتعجب أو نصمت.
“من يوقف إسرائيل؟” هو من يستعيد وعيه، من يرفض منطق الاستعمار ويطالب بالعدل. إسرائيل ليست مجرد دولة مارقة، بل وباء سياسي وأخلاقي يتطلب مواجهة حقيقية، عبر الإرادة الفعلية وليس التمنيات. إسرائيل ليست مجرد كيان غاصب، بل سرطان ينهش الجسد العربي والضمير الإنساني دون رادع. هل يمكن أن يوقفها وعي الشعوب؟ ربما يكون الأمل المتبقي، فصمود الفلسطيني والوعي المتزايد تجاه جرائم الاحتلال قد يبني قوة معنوية تغير الموازين مستقبلاً. إن دوام الحال من المحال، ولا بد أن يتلاشى الليل ويفتح الصباح، وينكشف الظلام ليظهر النور.