هل سيتحول الصراع العالمي القادم إلى بحر الصين؟


لواء دكتور: سمير فرج متابعة عادل شلبى

بدأت الأحداث تتحرك حاليا في منطقة بحر الصين الجنوبي، وخاصة بين الولايات المتحدة والصين و لان الولايات المتحدة تعتبر نفسها حاليا القوة العظمى في العالم، فإن لها مصالح هامة في بحر الصين الجنوبي على اساس التواجد الفعال العسكري والسياسي والاقتصادي هناك بهدف استمرار مرور التجارة الأمريكية في هذه المنطقة من العالم، والتي تقدر بمليارات الدولارات سنويا، والثانية أن تهدف الولايات المتحدة حاليا الي استقرار هذه المنطقة والحفاظ على تعهداتها تجاه حلفاءها في منطقة جنوب غرب آسيا، خصوصا أن هناك نزاعات حدودية كثيرة في المنطقة منها الجزر المتنازع عليها بين دول بحر الصين الجنوبي، حيث يتسم الموقف الأمريكي حاليا والمعلن دائما بالحيادية تجاه هذه النزعات، والدعوة لاحترام القانون الدولي.
وفي هذا المنطلق، تحاول الولايات المتحدة أن تحافظ على حرية الملاحة الدولية في بحر الصين على أساس تواجد بحري أمريكي في بحر الصين. وتعتبر أمريكا أن ذلك لا يمثل تهديدا للصين أو مساسا بسيادتها، في حين تعتبر الصين أن هذا البحر ومعظم الجزر القائمة به جزء لا يتجزأ من الإقليم الصيني، حيث تعتبر الصين أن مياه بحر الصين ولمسافة 12 ميل بحري من الشاطئ هي مياه إقليمية صينية، لا يجوز لأي طرف دولي التدخل فيها أو الاقتراب منها إلا طبقا للإجراءات الذي ينظمها القانون الصيني.


لذلك، من هذا المنطقة، بدأت الولايات المتحدة العمل على ضرورة التواجد البحري الأمريكي في هذه المنطقة، حتى لا تنفرد الصين بكونها القوة الرئيسية المسيطرة بحريا على منطقة بحر الصين، وحتى لا تفقد أمريكا الهيمنة التي كانت تتمتع بها من قبل، لذلك من هنا بدأ الصراع الخفي بين القوتين الصينية والأمريكية للهيمنة على هذه المنطقة من العالم.
ولقد ظهرت في هذه المنطقة العديد من النزاعات مثل مطالبة اليابان بالجزر التي استولت عليها روسيا، ثم نزاع الفلبين حول الجزر الموجودة في بحر الصين الجنوبي، خصوصا أن هناك اتفاقية دفاع مشترك بين الولايات المتحدة والفلبين، خاصة عندما كانت زيارة نائب الرئيس الأمريكي كاملة هارس مؤخرا للمنطقة، أعلنت أن أمريكا ملتزمة بالدفاع والتعاون العسكري لحلفائها في المنطقة، بما يمثل إشارة واضحة للصين، ويدفع للفلبين للتمسك بحقوقها، وأن تقف في مواجهة النفوذ الصيني في المنطقة.


وأعتقد أن اللقاء المشترك الذي يجمع بين وزيري الدفاع الأمريكي والفلبيني جاء عقب لقاء القمة المهم بين الرئيس الأمريكي والصيني في إندونيسيا على هامش قمة ال20 حيث أكد الدعم الأمريكي للفلبين، ونتيجة لكل هذه الأحداث في المنطقة، بدأت الصين دعم قواتها العسكرية حيث أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ في حديثه للمؤتمر الوطني ال20 للحزب في أكتوبر 2022، أن الصين تعمل على تكوين جيش على مستوى عالمي وشدد على الحاجة إلى الحروب الإقليمية وكان يقصد بالطبع النزاعات الحدودية بين الصين والدول المجاورة، خاصة المتحالفة مع القوات الولايات المتحدة الأمريكية، ويقصد بها اليابان في بحر الصين الجنوبي، والنزاع الحدود البري بين الصين والهند.


ولقد زاد التباعد الصيني الأمريكي في الفترة السابقة نتيجة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، عندما رفضت الصين الانضمام إلى تطبيق العقوبات الغربية ضد موسكو، ورغم تأكيد واشنطن أن الصين لم تقدم الدعم العسكري خلال هذه الحروب إلى روسيا، ولكن على الطرف الآخر فإن هناك من يحاول إشعال التوتر في المنطقة، بالإعلان أن الصين تسعى من خلال انشغال الولايات المتحدة بالحرب بين أوكرانيا وروسيا أن تستغل الصين الموقف بغزو تايوان عسكريا واستعادتها بالقوة، وذلك على الرغم من أن الولايات المتحدة هي التي قامت باستفزاز الصين من خلال زيارة نانسي بيلوسي زعيم مجلس النواب الأمريكي إلى تايوان في أغسطس الماضي.
كذلك يعتبر البعض أن تعثر روسيا في حربها ضد أوكرانيا حاليا قد يستغله الغرب لترهيب الصين بعدم الاقتراب بالإقدام على احتلال تايوان عسكريا. ورغم إعلان بايدن عدة مرات أن الولايات المتحدة تلتزم بمبدأ الصين واحدة، وكذلك بعدها أشار إلى إمكانية استخدام الجيش الأمريكي قواته لحماية تايوان هذا الأمر. دفع بكين إلى إجراء تدريبات ومناورات عسكرية غير مسبوقة في مضيق تايوان، وحول الجزيرة.


وعلى الطرف الآخر قامت واشنطن بعدة تحركات أمنية عسكرية بالتعاون مع حلفائها في منطقة المحيط الهندي والمحيط الهادي، بهدف تطويق الصين، وعلى رأس ذلك جاء اتفاق أوكوس الأمني، الذي تم الإعلان عنه في سبتمبر 2015، وهي عبارة عن شراكة أمنية بحرية بين أستراليا وإنجلترا وأمريكا، يتضمن تزويد أستراليا بالتكنولوجيا الأمريكية لبناء غواصات تعمل بالطاقة النووية، حتى تتمكن استراليا من مراقبة التحركات البحرية الصينية في جنوب شرق أسيا. ولقد اعترضت الصين على هذا الاتفاق لكونه ينتهك معاهدة عدم الانتشار النووي.
هذا بجانب قيام واشنطن بإحياء الحوار الأمني الرباعي تحالف كواد، الذي يضم الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا، حيث تستخدم الصين هذا التحالف لخدمة كافة الأطراف في المنطقة، بهدف احتواء الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادي. لذلك قامت الصين مؤخرا بتحديث قواتها العسكرية. حيث أصبحت الصين حاليا تمتلك أكبر قوة بحرية في العالم، من حيث عدد الوحدات البحرية متفوقة على الولايات المتحدة الأمريكية، حيث نجحت في تطوير وتصنيع ثلاث حاملات طائرات جديدة من الجيل الثاني من حاملات الطائرات، والتي تشكل نقلة نوعية. وصل حجم القوات البحرية الصينية إلى 250الف جندي، كما تمتلك الصين حاليا عدد 6 غواصات نووية، و48 غواصة تكتيكية تقليدية، و80 مدمرة وفرقاطة، وعدد 209 مقاتلات ساحلية. وبالنسبة للقوات الجوية هي الأكبر في شرق أسيا، وثالث أكبر قوة جوية في العالم، وتمتلك الصين حاليا 350 رأس نووي، أي ضعف ما كانت تمتلكه أيام الحرب الباردة. وتقدر المخابرات الأمريكية أن الصين تعمل على زيادة هذه الأعداد لتصل إلى 400 رأس نووي بحلول عام 2027. وبالنسبة للقوات البرية الصينية التي يصل حجمها إلى مليون جندي. وقد استحدث الجيش الصيني وحدة الدعم الاستراتيجي التي تختص بتطوير الأسلحة التكنولوجية، ولقد زادت ميزانية الدفاع الصينية لتصل إلى 229.4 مليار دولار بعد أن قامت بالتركيز على التقنيات المتقدمة لتطوير كافة وحدات الجيش الصيني بما فيها تطوير الذكاء الاصطناعي وقوات الفضاء العسكري، الذي تتنافس فيه حاليا مع أمريكا وروسيا.
وتشير التقديرات ان الصين تسعى لأن تصبح القوة العسكرية الأولى في العالم عام 2050، كما تسعى الصين إلى توقيع عدد من الاتفاقيات العسكرية مع الدول الأخرى، مثل الاتفاق الذي تم مع دولة جزر سليمان جنوب المحيط الهادي، والذي يتيح للصين حاليا نشر قواتها في هذه الجزر، هذا الأمر أزعج الولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا خوفا من توسع الصين، لأن في تواجدها العسكري في هذه المنطقة من ذلك كله نرى أن هذه المنطقة من العالم سوف تشهد مستقبلا صراعا شرسا نظرا لعدم الاستقرار الدولي والإقليمي في هذه المنطقة، خاصة أن الصين تشعر أن هناك تهديدا مباشرا ضدها من الولايات المتحدة، وإن كنت أشك إن الصين سوف تقوم بأي عمل عسكري في الفترة القادمة حتى تستمر في الحفاظ على التقدم الاقتصادي الذي أصبح يقترب من التقدم الاقتصادي الأمريكي، الذي تحاول أمريكا حاليا بكل الطرق إيقافه حتى لا تتفوق الصين اقتصاديا على الولايات المتحدة. من ذلك كله، تهدف الصين حاليا إلى عدم الدخول في أي نزاعات عسكرية قادمة لتهيئة الأمور لتحقيق تقدم عسكري واقتصادي تتفوق فيه على الولايات المتحدة عدوه اللدود مستقبلا.

هل سيتحول الصراع العالمي القادم إلى بحر الصين؟

Loading