هل يصلح الزلزال التركي السوري ما افسدته السياسة

لواء دكتور: سمير فرج متابعة عادل شلبى

جاءت ليلة السادس من فبراير لكي يضرب ذلك الزلزال المدمر جنوب ووسط تركيا وشمال سوريا الأول في منطقة غازي عنتاب بقوة 7,8 رختر والثاني في كهرمان بقوة 7,5 رختر حيث يعد هذا الزلزال من أقوى الزلازل في تاريخ تركيا وسوريا في العصر الحديث، وبعدها حدثت حوالي 243 هزة ارتدادية حتى يوم 7 فبراير صباحا ولقد صرح المركز الأوروبي المتوسطي لقياس ورصد الزلازل أن السكان في أرمينيا وجورجيا والعراق والأردن والضفة الغربية وقطاع غزة ومصر وأجزاء من روسيا شعروا بهذا الزلزال عموما فان هضبة الأناضول حيث تقع تركيا يعبرها فالق شمال الأرض وناحية إسطنبول والذي حدثت ناحيته زلزال أزميت عام 1999 ثم الفلق الآخر ويسمى فالق شرق الاناضول الذي تسبب في زلزال هذه المرة.


وبعيدا عن هذه الأحداث التي وصلت فيها أعداد القتلى من سوريا وتركيا إلى أكثر من 60,000 قتيل حتى الآن، وينتظر أن تزيد هذه الأعداد بعد إزالة الأنقاض من المنازل المهدمة، حيث أن هناك مناطق لم تدخلها فرق الإنقاذ. حيث وصل عدد المناطق المنكوبة في تركيا وحدها إلى 11 منطقة منكوبة، ووسط ذلك كله بدأ العالم يتحرك لمساعدة تركيا وسوريا لنجدة شعوب هذه المنطقة خاصة أن مشاهد الصور التي نقلتها عدسات التليفزيونات تدمي القلوب. ونحن نرى الناجين من الأطفال والنساء خرجوا بلا منازل في العراء والشتاء القارص الذي زاد من حجم المشكلة.
وبدأت تحرك الجميع وفي البداية كانت الولايات المتحدة في مشكلة فهناك قانون قيصر الذي وضع العقوبات على سوريا وحكومتها. ولكن تعالت الأصوات هناك في أمريكا. ما ذنب هذه الشعوب، إذا كان هناك خلاف مع الحكام، فإنه من الواجب نجدة الشعب من الأطفال والنساء وامام هذا الضغط الشعبي تحركت امريكا، وصحيح أن التحرك الأمريكي نحو سوريا جاء متأخرا بعض الشيء، لكن المهم أن أمريكا تحركت وأرسلت قوافل الإغاثة إلى شمال سوريا المتضررة من الزلزال ومن الدول العربية.
وكانت المفاجأة الرائعة من مصر فلم تكتفي مصر بإرسال المساعدات. حيث كانت أول دولة عربية تصل مساعداتها إلى سوريا، ولكن جاءت مكالمة الرئيس السيسي إلى الرئيس السوري بشار الأسد وهي كانت أول مكالمة من الرئيس السيسي منذ تولي رئاسة البلاد إلى الرئيس السوري لكي تعبر له أن مصر. أكبر من أن ترسل مساعدات فقط مثل باقي الدول، بل كانت مكالمته تعبيرا عن تعاطف شعب مصر مع الشعب السوري الذي كان في يوم من الأيام جزء من مصرنا العزيزة، وأعتقد أن تلك المكالمة كانت أثرها أكثر من المساعدات المصرية التي وصلت إلى الشعب السوري. وشاهدنا ذلك في تعليق الشعب السوري في وسائل الإعلام، كما أعلن صندوق تحيا مصر فتح باب التبرعات لمساعدة الشعب السوري وهذا يعني أن شعب مصر يقف أيضا مع شقيقه الشعب السوري. جاءت المفاجأة الثانية من المملكة العربية السعودية التي كان لها موقف مع القيادة السورية. فكانت فرحتي عظيمة وأنا أرى الطائرات السعودية تهبط في مطار حلب تحمل مواد الإغاثة من الشعب السعودي إلى الشعب السوري الشقيق.
كذلك كان التعاطف الأوروبي مع الشعب السوري، رغم العقوبات التي كانت مفروضة عليه، حيث بدأت الدول الأوروبية إلى إرسال المعونات إلى سوريا وتركيا بالطبع كانت المساعدات إلى تركيا تفوق ما تم إرساله إلى سوريا وهذا طبيعي لأن حجم الخسائر في تركيا كانت أكبر. وثانيا، أن تركيا كانت أحد دول حلف الناتو لدرجة ان سكرتير حلف الناتو زار تركيا شخصيا للتعبير عن دعم الحلف لتركيا، وكانت المساعدات إلى سوريا قد بدأت في استحياء من الدول الأوروبية في البداية، لكنها بعد ذلك امتدت لكي تحقق هدفها.
وحقيقي كانت المشاكل الكبرى في فتح بوابات الحدود بين تركيا وشمال سوريا، ولكن كان ضغط الأمم المتحدة وأمينها العام جوتيريش أثر كبير في الضغط على جميع الفصائل. في شمال سوريا إلي فتح المعابر وخصوصا البوابات مع الجانب التركي، كذلك كانت المفاجأة من أرمينيا التي كانت في عداء دائم مع تركيا فقد أعلنت إرسال مساعدتها إلى تركيا وقالت لننسى خلافات الماضي فنحن أمام كارثة إنسانية.
أما المفاجأة الأكبر فكانت من اليونان العدو الأول والرئيسي لتركيا عبر التاريخ. وحيث أرسلت اليونان شحنة كبيرة من المساعدات، واكتملت المفاجأة بزيارة وزير الخارجية اليوناني شخصيا إلى أنقرة، لكي يقابل وزير الخارجية التركي ويعلن موقف بلاده ودعمها بالكامل لتركيا في تلك الأزمة الكبيرة. وأعتقد أن تلك الصورة بين أعداء الأمس. قد وحدتها أزمة الزلزال. كذلك كان الدعم الذي وصل من دولة الإمارات إلى تركيا وسوريا ووصول وزير الخارجية الإماراتي إلى سوريا لدعم الدولة ونظام بشار الأسد اثره الكبير في رفع معنويات الشعب السوري.
ولاشك ان ذلك الدعم العربي سوف يكون أمرا مفيدا خصوصا أن تركيا قد فتحت الباب إلى اللاجئين السوريين الذين كانوا في تركيا بعد أحداث الربيع العربي لكي يعودوا إلى سوريا لرؤية أهلهم حيث أن بعودتهم إلى بلادهم مرة أخرى. يعني أن الزلزال قد أعاد أهالي سوريا من المهجر إلى بلادهم مرة أخرى وهذا يعني ضمان استقرار سوريا في الفترة القادمة.


لكن ستصبح المشكلة القادمة لسوريا بالذات وهي إعادة الإعمار لأن الولايات المتحدة ودول أوروبية أعلنت أن المساعدات التي قدمتها. لا تعني أنها ستغير من قوانينها وعقوبتها ضد بشار الأسد لذلك ما زلنا ننتظر أن يستمر الدعم الأمريكي والأوروبي إلى سوريا في مرحلة إعادة بناء المدن والقرى التي دمرتها الزلزال لأن سوريا بظروفها الاقتصادية الحالية لن تكون قادرة على إيواء كل هؤلاء اللاجئين الذين عادوا إليها من تركيا. واعتقد ان علي الدول العربية ان تضغط في الفترة القادمة على ضرورة قيام الأمم المتحدة بإنشاء صندوق لدعم أعادة الاعمار في سوريا خلال الفترة القادمة.
ولا ننسى لبنان برغم الظروف الاقتصادية الصعبة، فقد أرسلت معونة عاجلة إلى شعب سوريا وكذلك تونس وكل الدول العربية التي أعتقد أن هذه المحنة قد أظهرت ان الشعب العربي في كل الوطن دون النظر لأي خلافات سياسية أو صعوبات اقتصادية قد قام بواجبه نحو سوريا الحبيبة، لذلك نأمل أن يكون هذا الحدث قد أزال العديد من المشاكل بين بعض الدول والنظام السوري والنظام التركي ويكون بداية لصفحة جديدة لتحقيق السلام وعلى الأخص بين أرمينيا وتركيا. واليونان وتركيا وبالنسبة لسوريا أرجو أن تكون الفترة القادمة فرصة لتحسين السياسات الخارجية لبعض الدول مع النظام السوري لصالح الشعب السوري.

هل يصلح الزلزال التركي السوري ما افسدته السياسة

Loading