بقلم دكتور : ابوالمجد احمد الشرقاوى.
من علماء جامعة الازهر الشريف

الحديث فى موضوع التجديد يبعث هموما متعددة لا هما واحدا.
الصخب والضجيج يملآن الميدان،والغلو والتطرف فى هذه الناحية أو تلك يستوليان على كثير من المتناولين لهذه المسألة البالغة الحساسية،والتراشق بالاتهامات سمة أغلب المساجلات الكلامية بين الفريقين المتلاحيين،ففريق يتهم الآخر بالتحجر والجمود،ويقابله هذا باتهامه بالتحلل،والرغبة فى هدم الثوابت،والتمرد على الشرع والدين.
لا شك أن هذا كله أقام حواجز كبيرة،تحول أحيانا دون تناول هذه القضية التناول العلمى الهادىء،والرصين.
هناك دراسات جادة،وإسهامات عظيمة القيمة فى هذه القضية قام بها علماء أجلاء،ومفكرون مستنيرون تزخر بهم الأمة،ولن تزال عامرة بأمثالهم إن شاء الله،ونتمنى أن يتاح لها فرصة أكبر للانتشار والوصول للناس.
فى تقديرى أن المدخل الصحيح لهذه القضية الملحة والخطيرة هو أن نبدأ أولا بهذا السؤال:هل التجديد فى نظر الإسلام-من حيث المبدأ-أمر مرفوض،تأباه نصوصه،وتجرمه تعاليمه؟
وقبل أن نستطرد إلى ما يترتب على الإجابتين ننوه بأن أى إجابة منهما ينبغى ألا تلقى مرسلة،بل يتعين أن تشفع بما يجعلها جديرة بالإقناع.
إذا كانت الإجابة بالإيجاب،يعنى أن الإسلام يرفض التجديد،فإن القضية تكون قد حسمت وفرغ منها،وبات الحديث عنها أو فيها إيقاظا لفتنة،وتسورا لحصون الدين.
أما نحن فسنجيب بالنفى أولا،ثم سنفصل هذا الإجمال فنقول:
إِذْن الإسلام بالتجديد،وقبوله له،ودخوله تحت منظومته الشاملة أمور ليست وليدة اجتهاد العلماء،ولا نظرات المفكرين،وإنما صدع بها صاحب الشريعة نفسه صلى الله عليه وسلم،بل هناك ما هو أكثر من ذلك،فقد استخدم عليه الصلاة والسلام لفظا من المادة نفسها،ولم يعبر بمصطلح شبيه به أو مرادف له.
قال عليه أفضل الصلاة والسلام ( إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها) رواه أبوداود برقم4291 .
قال صاحب(عون المعبود):<قال السيوطى فى(مرقاة الصعود):اتفق الحفاظ على تصحيحه،منهم الحاكم فى(المستدرك)والبيهقى فى(المدخل)وممن نص على صحته من المتأخرين الحافظ ابن حجر.انتهى،……………،وقال المُناوى فى(فتح القدير):أخرجه أبوداود فى الملاحم،والحاكم فى الفتن وصححه،…………،قال الزين العراقى وغيره:سنده صحيح.انتهى>
ونقل صاحب(عون المعبود)عن ابن حجر-تعليقا على ما ورد عن الزهرى من عد عمر بن عبدالعزيز مجدد المئة الأولى-قوله:<وهذا يشعر بأن الحديث كان مشهورا فى ذلك العصر،ففيه تقوية للسند المذكور،مع أنه قوى لثقة رجاله>
وقال السخاوى فى(المقاصد الحسنة):<وقد أخرجه الطبرانى فى(الأوسط)…………..،ورجاله كلهم ثقات،وكذا صححه الحاكم فإنه أخرجه فى مستدركه من حديث ابن وهب>
وقد تلقى الأئمة والعلماء سلفا وخلفا هذا الحديث بالقبول،وقالوا بمضمونه،فمن الشائع المستفيض أن العلماء ذكروا مجددى كل مئة،وإن اختلفوا بالطبع حول بعضهم لاختلاف ميولهم ونظراتهم،وقد نوه السخاوى بذلك فى(المقاصد الحسنة)حيث قال:<وقد اعتمد الأئمة هذا الحديث،فرُوِّينا فى(المدخل)للبيهقى بإسناده إلى الإمام أحمد أنه قال بعد ذكره إياه-أى الحديث-فكان فى المئة الأولى عمر بن عبدالعزيز،وفى الثانية الشافعى>
وللسيوطى منظومة مشهورة فى أسماء المجددين من أول المئة الأولى حتى عصره،من وجهة نظره طبعا.
وهكذا يتضح أن الحديث صحيح مقبول باتفاق العلماء،وقد بدأنا بهذا الأمر لأنه الأصل والمرجع فى هذا الموضوع.
ولنا هنا وقفتان نرجىء الكلام فيهما للمقال القادم إن شاء الله .

Loading