هيا بنا نجلس ساعة


بقلم: د. عبدالرحمن موسى

ذات يومٍ شعَر طفلٌ أنه يعيش كالأيتام، فدخل على والده الذي أنهكه العمل، وأضناه التعب، فلا وقت لديه للمكوث في البيت إلا للنوم وتناول الطعام.
قال الطفل: اشتقت إليك يا أبي فلماذا لم تعد تلعب معي وتحكي لي الحكايات، وكأننا نعيش في شتات.
ما رأيك أن تلعب معي اليوم قليلاً وتحكي لي قصة ؟
لأسعد بك وتزول من حلقي الغصة.
قال الأب: يا ولدي ليس عندي وقت للألعاب وضياع الأوقات، أريد أن أغتنم الفرصة قبل الفوات، وأجمع لكم الأموال قبل الممات.
فوقتي يا ولدي ثمين، والحياة صعبةٌ لا تلين.

قال الطفل: يا أبي أعطني فقط ساعة من وقتك، فأنا مشتاق لأحضانك، ولأشبع من حنانك.
قال الأب: يا ولدي أنا أعمل وأكدح من أجلكم، والساعة التي تريدني أن أقضيها معك أستطيع أن أكسب فيها 100 جنيه
هيا اذهب واتركني فليس لدي وقت لأضيعه معك.

تمضي الأيام ويزداد الأب انشغالاً، ويزداد الابن حزناً وانفعالاً، وفي أحد الأيام يرى الطفل باب مكتب أبيه مفتوحاً فيدخل عليه ويقول له يا أبي أعطني خمسة جنيهات.
فقال الأب لماذا ؟ فأنا أعطيك صباح كل يوم خمسة جنيهات ماذا تصنع بها ؟
هيا أغرب عن وجهي، ولا تكن مسرفاً
خرج الابن حزيناً، ثم جلس الأب بفكر فيما قاله لابنه وشعُر أنه ربما قسى عليه قليلاً، فذهب إليه ليصالحه و جلس بجواره وأخرج له خمسة جنيهات وقال له يا بني لا تحزن، فرح الابن كثيراً وتهلل وجهه، ورفع وسادته واخرج من تحتها نقوداً كثيرة، وقال لأبيه يا أبي قم بعدّها فتساءل الأب مندهشاً معك كل هذه الأموال لماذا تريد خمسة جنيهات ؟.
قال الابن أرجوك قم بعدّها، قام الوالد بعدّها فوجدها مائة جنيه كاملة، فرح الطفل لذل، ثم نظر الطفل لأبيه وقال له يا أبي:
هل تتذكر يوم أن طلبت منك أن تجلس معي ساعة وقلت لي أن الساعة التي أقضيها معك ربما أجمع فيها مائة جنيه، قال الأب نعم
قال الطفل: من وقتها وأنا أدّخر ما تعطيه لي كل يوم ولم يبق لي إلا خمس جنيهات لأكمل المائة جنيه لأعطيها لك لتجلس معي ساعة وهاهي قد اكتملت الآن فأرجوك يا أبي اجلس معي ساعة.
بكي الأب من كلمات ابنه التي نزلت عليه كالصاعقة وحضنه وقال له أعدك يا بني أن نجلس كل يوم سوياً ساعة.

الحقيقة قد يظن بعض الآباء أن إغداق المال والاستجابة لطلبات أبنائهم تعبيرٌ ضمني عن الحب والحنان وهو بالفعل كذلك لكنه ليس كل شيء.
فالحب له لغات مختلفة
كمال قال الكاتب والمحاضر الأمريكي جاري تشابمان في كتابه القيّم (لغات الحب الخمس) وهو كتابٌ أنصح كثيراً بقراءته، يقول فيه أن الحب كله يندرج تحت لغات وعلامات خمس:

  1. وقت خاص من أجل الحبيب.
    فقضاء الوقت مع الأحباب هو تعبيرٌ عن الحب وهو ما يتمني الحصول عليه كل المحبين.
  2. الأفعال أقوى من الكلام.
    في الحب دائماً الأفعال أقوى وأهم من الكلام فالمتكلمين كثُر وأصحاب المواقف والأفعال قلة.
  3. التلامس الجسدي .
    دائماً التلامس الجسدي كالأحضان والقبلات وتشابك الأيدي جميعها طرق لقول كلمة “أحبك” فبه تنتقل الكثير من المشاعر التي بداخلك للطرف الأخر فيسمعها بكل وضوح.
  4. الإطراءات وكلمات التقدير.
    الكلام الصادق دائماً ينفذ للقلب كلنا نحتاج لسماع كلمات إطراء وتقدير خاصةً إن كانت من شخص قريب فكلماته تنزل كالبلسم الشافي.
  5. تلقي الهدايا من لغات الحب الخمس.
    الهدية مفتاح من مفاتيح القلوب، واختيارها ليس بقيمتها المادية بل المعنوية، وليس لها وقت معلوم .

هذه ببساطة لغات الحب الخمس، والتي تختلف أهميتها من شخص لآخر، ومن علاقة لعلاقة، فقط علينا معرفة الطريقة والأسلوب الأمثل بين الأحباب.

ولا شك أن الأبناء هم جواهر حياتنا ونفائس ثرواتنا، ولا شيء في الدنيا يعوضهم عن لحظة حنان يسكنون فيها على صدور أمهاتهم وآبائهم.
والطفل الذي يرتوي من حنان أبويه في طفولته ويكبر وهو محاطٌ برعايتهما العاطفية، سيمتثل حتماً للنصائح التربوية، وللمواقف والمواعظ الإرشادية، وسينخرط بيُسر وحبٍ في المناسبات الاجتماعية، وتتنمى عنده الملَكات الإبداعية، وسيبتعد عن خوض العلاقات المؤذية، ويتأقلم مع مستجدات مراحله العمرية.
فحريٌّ بنا ألا نبخل على أطفالنا بلحظات من حنان يستريحون فيها على صدورنا فيشعرون فيها بتقديرنا ومحبتنا واهتمامنا، فقطار العمر يمضي، وغبار الأيام تمحيه قطعةٌ حنان مبللة.

هيا بنا نجلس ساعة

هيا بنا نجلس ساعة

Loading