أصدرت وزارة الثقافة، ممثلة في الهيئة المصرية العامة للكتاب برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين، كتابًا جديدًا بعنوان: «تاريخ بلاد ما وراء النهر وحضارتها في زمن المغول»، من تأليف الدكتور إبراهيم عبد المقصود الشرقاوي، وذلك ضمن إصدارات سلسلة “تاريخ المصريين” المعنية بتوثيق وتحليل المحطات المهمة في التاريخ الإسلامي والعالمي.
يتناول الكتاب بالدراسة والتحليل تاريخ بلاد ما وراء النهر خلال واحدة من أكثر الفترات اضطرابًا في تاريخها، وهي فترة الغزو المغولي، وما أعقبها من قيام الدولة الجغتائية المغولية. وقد حرص المؤلف على إبراز أهمية هذه المنطقة التي شكّلت عبر العصور همزة وصل بين الشعوب التركية والفارسية والعربية، وأسهمت بدور كبير في بناء وإثراء الحضارة الإسلامية من خلال شخصيات علمية بارزة مثل الإمام البخاري، والإمام الترمذي، والطبيب والفيلسوف ابن سينا.
ينقسم الكتاب إلى بابين رئيسيين، يسبقهما تمهيد جغرافي مفصّل، يقدّم للقارئ وصفًا دقيقًا للموقع الجغرافي، والمناخ، والتضاريس الطبيعية للمنطقة، ما أضفى على العمل طابعًا علميًا يعزز من فهم العوامل البيئية المؤثرة في مسار التاريخ السياسي والحضاري للمنطقة.
الباب الأول: التاريخ السياسي
يعرض هذا الباب التاريخ السياسي لبلاد ما وراء النهر، ويتضمن فصلين رئيسيين:
الفصل الأول: يتناول دخول المغول إلى المنطقة بقيادة الخانات العظام، ويحلّل الأسباب التي أدت إلى انهيار المقاومة المحلية، وسرعة سقوط المنطقة في أيدي المغول، إلى جانب استعراض ردود فعل السكان تجاه الغزو الأجنبي.
الفصل الثاني: يتتبع تطورات حكم الأسرة الجغتائية المغولية، بداية من براق خان وحتى مرحلة الضعف والانهيار الكامل للدولة.
الباب الثاني: الحياة الحضارية
يركّز هذا الجزء من الكتاب على الجوانب الحضارية في بلاد ما وراء النهر خلال الحكم المغولي، ويشتمل على أربعة فصول رئيسية تتناول:
النظم الإدارية وتنظيم الحكم المحلي.
الحياة الاقتصادية بما في ذلك الضرائب والتجارة.
التركيبة الاجتماعية، وأوضاع المرأة، والتعددية الدينية.
النهضة الفكرية والعمرانية، في ظل الاستقرار النسبي الذي وفره المغول في بعض الفترات.
وأشار المؤلف إلى أنه واجه العديد من التحديات خلال إعداد هذا العمل، أبرزها ندرة المصادر العربية الأصيلة التي توثق لتاريخ الدولة الجغتائية بشكل مباشر. ولذلك، اضطر إلى الاعتماد على مصادر متنوعة، شملت نصوصًا فارسية، وصينية، وأوروبية، تطلّب التعامل معها جهدًا كبيرًا في الترجمة والتحليل، من أجل تقديم مادة علمية دقيقة وموثقة. كما لفت إلى قلة المعلومات المتعلقة بالحياة الحضارية خلال تلك الحقبة، ما اضطره أحيانًا إلى الاستعانة بمراجع تعود إلى فترات قريبة منها لاستكمال التصور البحثي.
يأتي هذا الكتاب بمثابة استجابة مباشرة لدعوة المستشرق الروسي الشهير فاسيلي بارتولد، الذي اختتم مؤلفه “تركستان من الفتح العربي إلى الغزو المغولي” بنداء للباحثين إلى تناول تاريخ الدولة الجغتائية بالدراسة والتحليل، نظرًا لما تشكّله من فراغ كبير وغموض في مسار التاريخ الإسلامي الوسيط.
ويُعد هذا العمل إضافة نوعية للمكتبة التاريخية العربية، إذ يسهم في سد فجوة معرفية بشأن تاريخ آسيا الوسطى وحضارتها في ظل الحكم المغولي، ويُتوقع أن يكون مرجعًا هامًا للباحثين والمهتمين بتاريخ المنطقة والحضارة الإسلامية عمومًا.