لواء دكتور/ سمير فرج متابعة عادل شلبى

مناورات “النجم الساطع”، أو “Bright Star”، هي واحدة من أكبر التدريبات العسكرية المشتركة في العالم، والتي تنفذ في مصر كل عامين، منذ بدأت، لأول مرة، في أكتوبر 1980، بعد توقيع مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979. دارت هذه التدريبات العسكرية، أساساً، بمشاركة القوات المسلحة المصرية، والأمريكية، مثل عناصر القوات البرية من المشاة والمدرعات والمدفعية، بالإضافة إلى القوات البحرية والقوات الجوية والقوات الخاصة من الصاعقة والمظلات، ثم اتسع نطاق عملها ليشمل قوات متعددة الجنسيات، من دول أخرى، كل عام.

وفي العام الجاري، انطلقت هذه المناورة اعتباراً من يوم 3 سبتمبر وحتى يوم 17، وانضم فيها مع مصر والولايات المتحدة، عدد كبير من القوات العسكرية، لدول مختلفة، وصلت إلى 21 دولة، مشاركة بالقوات، فضلاً عن أكثر من 30 دولة تقوم بدور المراقب، لتكون بذلك هي المناورة العسكرية الأكبر والأضخم في الشرق الأوسط. تهدف مثل هذه المناورات إلى تبادل الخبرات، والتعاون، بين مختلف المدارس العسكرية، أو العقائد العسكرية القتالية، إذ تعتنق مجموعة من الدول العقيدة القتالية الشرقية، النابعة من فكر الاتحاد السوفيتي، السابق، بينما تتبع مجموعة أخرى من الدول العقيدة القتالية الغربية، المعمول بها في الولايات المتحدة الأمريكية ودول حلف الناتو مثل إنجلترا وفرنسا وألمانيا.

تتميز مصر في جمعها بين العقيدتين الغربية والشرقية، بناءً على خبرتها القتالية الحديثة، بمشاركتها في حرب أكتوبر 73، وهي الميزة التي لا تتمتع بها باقي القوات العسكرية في العالم. يقاس نجاح مثل تلك المناورات بما تحققه من أهداف، لعل من أهمها ما تتيح من فرصة للاطلاع على أحدث الأسلحة والمعدات العسكرية، إذ تشارك كل دولة بأحدث المعدات التي تشملها ترسانتها العسكرية، لاستخدامها في تدريبات هذه المناورة، بما يضمن لها التفوق، فتحظى باقي الدول بفرصة التعرف على هذه الأسلحة، وإمكاناتها وقدراتها في ميادين التدريب، وفي تنفيذ أعمالها القتالية على الأرض، بدلاً من الاكتفاء بمشاهدة هذه الأسلحة في معارض السلاح الدولية.

تهدف تلك المناورات، كذلك، إلى نقل الخبرات في العديد من المجالات، فنجد، مثلاً، أن القوات الأمريكية ودول حلف الناتو، شاركت في مناورة “النجم الساطع” لاكتساب الخبرة في أساليب القتال في المناطق الصحراوية، وهو ما يعد واحداً من مجالات تفوق القوات المسلحة المصرية. كما تهدف هذه المناورات إلى تعرف مختلف القوات العسكرية على أسلوب التعاون الأمثل، إذا ما دعت الحاجة لتنفيذ عمليات عسكرية مشتركة على الأرض، كما حدث من قبل في حرب تحرير الكويت، التي شاركت فيها قوات متعددة الجنسيات.

يشمل التدريب، في العام الحالي، أنماطاً جديدة لم يتم التدريب عليها من قبل، نظراً لتغير ظروف العدائيات، التي وضعت تدريبات مكافحة الإرهاب على رأس أولويات معظم دول العالم، فلم تعد هناك دولة بمنأى عن العمليات الإرهابية، وصارت المناورة فرصة للتدريب والتعاون بين القوات المسلحة، لمختلف الدول، في مكافحة الإرهاب، خاصة في مجال تبادل المعلومات واستخدام أساليب وأنماط جديدة لدحض العمليات الإرهابية. وبمثل تلك التدريبات تخرج قواتنا من مناورة النجم الساطع وقد تراكمت لديها الخبرات في عدة مجالات، مثل الابرار البحري، والقتال الجوي، وعمليات النقل الاستراتيجي، وأعمال الإعاقة والتشويش، والحرب الإلكترونية الحديثة.

يمثل الجانب الأمريكي، في المناورة الحالية، قائد القيادة المركزية الأمريكية “Central Command”، أو “CentCom” كما يعرفها البعض، وهي القيادة المشتركة عن القوات الأمريكية الموجودة في الشرق الأوسط وآسيا، الذي تابع مع رئيس الأركان المصري أنشطة المناورة، وأشاد بخبرة وكفاءة القوات المسلحة المصرية. وقد يتساءل البعض عن دور المراقبين الحاضرين لهذه المناورة والإجابة ببساطة أن هؤلاء المراقبين من كبار القادة العسكريين للدول التي لم تتمكن في المشاركة بقواتها المقاتلة في التدريبات، فقررت إرسال مجموعة قادتها العسكريين لمتابعة أنشطة المناورة، والتعرف على كل ما هو جديد، وهو ما يعتبر واحداً من أنواع التدريب للقادة بتلك الدول.

ومن خلال حضوري للعديد من هذه التدريبات، في الأعوام السابقة، لمست تزايد ثقة المقاتل المصري في سلاحه وتدريبه، وهو ما برز خلال تمارين الرماية بالذخيرة الحية، عندما كان على الجانب الأيمن سرية دبابات أمريكية مسلحة بالدبابة الأمريكية M1A1، يقابلها على الجانب الأيسر سرية دبابات مصرية تنفذ نفس التمرين، بنفس الدبابة الأمريكية، التي يعتمد عليها تسليح القوات المصرية، وبظهور نتيجة التمرين، تفوقت السرية المصرية، بتقدير امتياز، فشعر الجنود والضباط المصريون بسعادة وفخر بتحقيق هذه النتائج أمام الجانب الأمريكي، وباستخدام الدبابة الأمريكية، التي تتميز بأعلى مستويات التكنولوجيا والتقدم العلمي. كما شهدت بنفسي تفوق دوريات الصاعقة المصرية، مرات عدة، في الوصول لأهدافها وتحقيق المهمة قبل باقي دوريات الدول الأخرى.

وهو ما يبقى في رأيي أحد أهم مخرجات هذه المناورات، بتحفيز الجوانب المعنوية في المقاتل والقائد المصري، عندما يرى نفسه نداً، وفي كثير من الأنشطة متفوقاً، على نظائره من الدول الأخرى، وهو العامل الذي يميز قواتنا المسلحة عن كثير غيرها، كما ظهر في كافة الدراسات العسكرية والاستراتيجية التي خرجت عن كبرى المؤسسات الدولية، في أعقاب انتصار قواتنا المسلحة في حرب أكتوبر المجيدة. وهكذا فإن عودة تدريبات “النجم الساطع”، إلى الأرض المصرية، بعد توقف لفترات، يعد مكسباً كبيراً لقواتنا المسلحة المصرية، وفرصة هامة ليتعرف العالم على كفاءة الجندي والضابط والقائد المصري، الذين حققوا النصر العظيم في أكتوبر 73.

Loading