بقلم: إسماعيل السعداوي
تذكرون هذه الافتتاحية لبرنامج العلم والإيمان بصوت الدكتور مصطفى محمودإنه الطبيب المشرحجي، والأديب والكاتب والمفكر الكبير والفيلسوف والخبير والباحث المحلل والعالم والمعلم، والفنان والشاعر وعازف العود المميز والمطرب ذو الحنجرة الذهبية والصوت الجميل كما وصفته السيدة زينب حمدي زوجته الثانية لأربع سنوات..
إنه المسلم المؤمن المصلح المحسن المخلص لله والمحب لوطنه وأمته..
فإننا إذا نظرنا في التاريخ المعاصر وماذا قدمت مؤسسات الأزهر الإسلامية الدينية من جامعات ومعاهد وفروع في مصر وخارج مصر في دول أخرى في العالم للإسلام والمسلمين، فلن نجد غير جزء ضئيل مؤثر بجانب ما قدمه فرد واحد وهو الدكتور مصطفى محمود..
بل ولعلنا نقول أن ما قدمه دكتور مصطفى محمود وأثر ما قدمه من فكر وتدبر وفائدة للدين والعلم للمؤمنين والمسلمين والمسيحيين واليهود، وحتى الملحدين وغيرهم في وطننا العربي وخارجه، يفوق كل ماقدمه الأزهر والكنيسة بكل علماؤهم وشيوخهم ورهبانهم وأعضائهم، ويفوق ما قدمته جميع المؤسسات الإسلامية والكنسية من أعمال وكتب منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى الآن..
فالفارق كبير جدا بين إعمال النقل وإعمال العقل، وقد كان د.مصطفى محمود خير من يجمع بين إعمال العقل وإعمال القلب، فليس كل ما يقال وينقل عن البشر صحيح، وليس كل ما ينسب للدين او للرسل صحيح، لابد من البحث والتفكر والتدبر والسعي للوصول إلى الحقائق.
وقد كتب كتاب هام جدا بعنوان “القرآن كائن حي”، يبرهن فيه على صدق وعظمة هذا الكتاب وأن بنيانه وأسلوبه يجعلا من المسحيل أن يقوم جنس مخلوق بتأليفه او بتأليف سورة او آية كمثله….أما غير ذلك فلابد من التحقق منه، فإذا وافق القرآن يكون صدقا، وإذا خالفه او لم يكن له دليلا من القرآن فيجب توخي الحذر ومحاولة التحقق منه
وقد قدم ٨٩ كتابا ومئات المقالات، وكثير من الحوارات التلفزيونية وأكثر من ٤٠٠ حلقة ثمينة جدا، فكل حلقة عبارة عن وجبة غنية بالمعلومات والنصائح والمعرفة العلمية والروحية..وكل كتاب كتبه وكل حلقة قدمها تتخلل في العقل وتتغلغل في القلب فتشغلهما لفترة، وتشغل كثير من الناس في أحاديثهم ونقاشتهم…
بالفعل قد أثر في أجيال مختلفة ومازال ما زرعه نحصده ونستمتع به، فكتبه في الأسواق مازالت الأكثر طلبا ومبيعا، تتهافت وتتنافس على طباعتها ونشرها وتوزيعها دور النشر المختلفة، وصفحاته على وسائل ومنتديات التواصل الإجتماعي الإلكتروني تضم مئات الآلاف من الأعضاء، وفيديوهاته المرئية والسمعية في القنوات الفضائية المختلفة وعلى اليوتيوب والتطبيقات الأخرى يشاهدها الملايين من البشر بالرغم مرور ٢٢ سنة على آخر حلقة قدمها
وقد واجه مصطفى محمود الكثير من النقد والحروب ضده من الشيوعيين واليساريين والعلمانيين والناصريين والملحدين والسلفيين ومن كثير من شيوخ الأزهر، وتم اتهامه زورا وبطلانا بالإلحاد والكفر والزندقة خصوصا بعد كتابه الشفاعة الذي أثار جدلا كبيرا وهو آخر كتبه الرائعة جدا، وشنت عليه الحملات والهجمات ومنع من تقديم برنامجه الشهير وبضغط شديد من الخارج والداخل من أعداء مصر ومن الحاقدين عليه، ومنع من النشر حتى وافته المنيه عام في ٣١ أكتوبر ٢٠٠٩، وقد واجه ضغوط شديدة من الجماعات الصهوينية أيضا فكانت تقوم بالضغط على جريدة الأهرام لوقف مقالاتهِ وقد وصلت الضغوط إلى حد مخاطبة أسامة الباز سكرتير رئيس الجمهورية للمعلومات للأهرام بهذا الصدد.
وكان من أصدقائه الشاعر الكبير أحمد شوقي وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب والعلامة الشيخ الشعراوي والكاتب المبدع إحسان عبد القدوس والشهيد بطل الحرب والسلام الرئيس أنور السادات وغيرهم الكثير..
ولا ننسى أن ما قدمه دكتور مصطفى محمود ليس فقط الفكر والعلم والإيمان والأعمال الأدبية والأشعار والروايات التي تحولت بعضها لأفلام سينمائية ومسرحيات هامة ولكنه قدم أيضا الكثير من الخير للفقراء والمحتاجين فقد أسس جمعية د.مصطفى محمود الخيرية بالمهندسين، والتي منذ تأسيسها عام ١٩٧٩ ساهمت بشكل أساسي في ترسيخ العمل الإنساني في البلاد من خلال مساعدة ملايين الفقراء والمساكين من المرضى غير القادرين أو الأيتام الذين لا يجدون قوت يومهم، وكذلك الأرامل اللواتي تقطعت بهن السبل، لتصبح بذلك من العلامات المميزة في العمل الأهلي الخيري.
والجمعية الخيرية لا تقدم فقط خدمات طبية ولكن أيضا خدمات علمية وتدريبية فهي تضم متحف ومرصد فلكي كنادي للعلماء ويقام فيها ندوات علمية وثقافية، وتقوم الجمعية بتنظيم رحلات رصد فلكية ورحلات علمية مختلفة، بالإضافة لمسجد مصطفى محمود وبذلك الجمعية الخيرية تكون حرصت على صحة الإنسان الروحية والنفسية والعقلية والجسدية
وقد قامت وكالة ناسا الفضائية بالتعاون مع الوكالة الروسية بتسمية أحد الكويكبات الهامة التابعة لحزام الكويكبات بين كوكبي المريخ والمشترى في مجرتتا بإسمه وهو الكويكب رقم (296753) مصطفى محمود والذي تم اكتشافه في 19 أكتوبر 2009 في محطة زيلنشوكسكايا من قبل تيمور في كرياشكو.
وقد تم تسميته تكريما للدكتور مصطفى محمود
وقد حصل كذلك على جائزة الدولة التقديرية عام 1995
وبذلك رفع الله ذكره في الأرض وفي السماء على ما قدمه من خير وأعمال صالحة
وأكبر تكريم له هو حب الناس الذي زرعه الله في قلوب الملايين الذين تعلموا منه ويترحموا عليه ويدعوله دائما
ومهما كتبنا من مقالات عنه لا نفي حقه، ولعل قصة حياته وكفاحه تؤثر في الشباب والأجيال القادمة لتكون مصدر إلهام لهم ويكون د.مصطفى محمود قدوة حسنة طيبة لما قدمه للبشرية من أعمال صالحة
ومن أقواله الجميلة:
“أفضل ما تهبه في حياتك: العفو عن عدوك والصبر علي خصمك والإخلاص لصديقك والقدوة الحسنة لطفلك والإحسان لوالديك والاحترام لنفسك والمحبة لجميع الناس”
“جاءك المهموم أنصت له , وإذا جاءك المعتذر اصفح عنه , وإذا جاءك المحتاج أنفق , ليس المطلوب أن يكون في جيبك مصحف ولكن المطلوب أن تكون في أخلاقك آية.”
“قيمة الانسان هي ما يضيفه الى الحياة بين ميلاده وموته.”
دكتور مصطفى محمود رحمه الله عليه.