انا «هيباتيا» أتحدث إليكم!
د. وسيم السيسى.. متابعة: عادل شلبى
قال عنى إدوارد جيبون.. أعظم المؤرخين الإنجليز: هيباتيا صاحبة الجمال الأسطورى، المتواضعة رغم جمالها، وعلمها، وشهرتها، تفوقت على أهل زمانها من الفلاسفة، وكانت فصل الخطاب فى الموضوعات الجدلية، رغم صغر سنها، عالِمة الفلسفة والرياضيات بجامعة الإسكندرية، قُتلت قتلًا عنيفًا ٤١٥م عن ٤٥ سنة عمرًا.
نعم.. فى ليلة مظلمة ليوم مشؤوم اعترضت جماعة من رهبان صحراء النطرون عربتى، ثم جرُّونى جرًّا عنيفًا إلى كنيسة قيصرون بالإسكندرية، ثم نزعوا ملابسى حتى أصبحت عارية تمامًا وهم النساك الأطهار، كما يقول برتراند راسل، ثم قاموا بذبحى وأنا مكتوفة الأيدى والأرجل، ثم مزقونى إلى أشلاء، ثم أوقدوا نارًا فى شارع سينارون، ثم قذفوا بأعضاء جسدى، وهى مازالت ترتعش بالحياة «برتراند راسل- تاريخ الفلسفة الغربية- مجلد ٢ صفحة ١٠٣».
تحدث عنى ويل ديورانت فى موسوعته قصة الحضارة مجلد ٢١ صفحة ٧٤٢ قائلًا: هل يمكن أن يكون بطرس القارئ للصلوات وبقية الرهبان أحباء للمسيح، الذى عفا عن المرأة الزانية وقال: مَن منكم بلا خطية فليرمها أولًا بحجر، ثم التفت إلى المرأة وقال لها: اذهبى بسلام، ولا تعودى لنفس الفعل؟!. ويستطرد ديورانت قائلًا: كيف يكون هؤلاء أبناء للمسيح، وهو الذى علم قائلًا: لا تقاوموا الشر بالشر، بل بالخير، وإذا أخطأ إليك أحد فسامحه.. لا سبع مرات، بل سبعًا وسبعين مرة!.
انتهى كلام ديورانت. أنا هيباتيا، ابنة يثرون، عالِم الرياضيات المصرى، كتب عنى إدوارد جيبون «ضعف وسقوط الإمبراطورية الرومانية»: تولى البابا كيرلس السكندرى ٤١٢م خلفًا لعمه ثيوفيليس، بعد أن تشرب فى منزل هذا العم دروس العنف والهوس الدينى، فهو الذى هاجم حاكم الإسكندرية أورستس Orestes مع خمسمائة من الرهبان، وكادوا يفتكون به لولا تدخل أبناء الإسكندرية لإنقاذه فنجا من موت محقق، كما هاجم معابد اليهود فى الإسكندرية، وسوّاها بالأرض ثم طردهم، مبررًا أفعاله بأنهم أعداء للمسيح، أما ويل ديورانت فقد كتب عنى فى موسوعة الحضارة مجلد ١٢ صفحة ٢٤٧.
مفسرًا نهايتى المأساوية قائلًا: لم تكن هيباتيا غير مؤمنة، فاتنة، عالِمة، فيلسوفة فقط، بل كانت صديقة لأورستس، حاكم الإسكندرية الرومانى غير المسيحى، وكان هذا سببًا آخر لمصرعها. كتبت عنى دائرة المعارف البريطانية: Hypatia اجتمعت لها الفصاحة والتواضع والجمال مع قدراتها العقلية الفذة، فجذبت عددًا هائلًا من التلاميذ، وقال عنى كارل ساجان فى كتابه «الكون»: إنها آخر بريق لشعاع علم بزغ من الإسكندرية.
لقد طالب صاحب هذه المقالة بإقامة تمثال لى فى نفس مكان كنيسة قيصرون، ولكن قبل إقامة التمثال، أرجو أن تحقق الكنيسة الأرثوذكسية فيما يُنسب إلى البابا كيرلس الأول، الملقب بعمود الدين، ذلك لأنه تصدى للأريوسية والنسطورية، وحفظ للمسيحية الأرثوذكسية إيمانها القويم السليم، حبَّذا لو أن الكنيسة ردت على ويل ديورانت، برتراند راسل، وإدوارد جيبون، ودائرة المعارف البريطانية حتى ترفع عن البابا كيرلس الأول هذه الادعاءات، التى قد تكون ظالمة وغير صحيحة.
أما إذا كانت صحيحة فقد وجب الاعتذار عنه وعن بطرس القارئ للصلوات ومجموعة الرهبان الذين كانوا معه، فهم بشر، فقد خان يهوذا، تلميذ المسيح، سيده، وأنكر القديس بطرس ليلة الصلب معلمه، وقال لا أعرفه، مرتين لا مرة واحدة، لقد اعتذرت الكنيسة الكاثوليكية لكوبرنيكس، وجوردانو برونو، وجاليليو، بل تشارلز دارون «البابابيوس ١٢ سنة ١٩٥١»، ولو كنت رومانية لاعتذرت لى عن هذه النهاية البشعة، حيث أغلقت جامعة الإسكندرية، «هذا المنار العالمى»، أبوابها بعد ذلك، ولكنى عالِمة مصرية، فوجب على الكنيسة المصرية التحقيق وإعلان الحقيقة التاريخية، وليس كالتاريخ عبرة ودرسًا.
انا «هيباتيا» أتحدث إليكم!