كتب _ عبدالرحمن شاهين
“لست أعمى لأبصر ما تبصرون”، ربما رددت تلك المقولة التي صكّها محمود درويش وهي تُدرك أنها فقدت البصر، لم يكن الأمر طبيعيًا، كان أهون بكثير، لكن الأزمة أنها ولدت مبصرة، عرفت الألوان وميّزتها وبالتأكيد كان هناك لونها المفضل، تختار به ملابسها، وتطلي حائط حجرتها كما تحب، هكذا كانت منة الله عصام.
تبدأ البطلة قصتها بالقول: “لم أولد كفيفة البصر، ولدت مبصرة حتى الصف الثاني الإعدادي حين شعرت ببعض المشكلات في رؤية، لكني تجاهلت الأمر ولم أعطه اهتماما، حتى الصف الثاني الثانوي حين ضعف نظري أكثر فاستعنت بنظارة والدي لكن ذلك انعكس علي بالسلب، حتى حين ذهبت إلى طبيب عيون وصف لي نظارة لا تناسبني”.
وتابعت:” في بداية دراستي بالفرقة الثانية في كلية آداب إعلام جامعة عين شمس، ذهبت مع والدي إلى أحد الأطباء، الذي رفض أن يتحدث عن حالتي أمامي، وطلب أن أنتظر أبي في الخارج لمدة 20 دقيقة، وأخبره أن نظري لن يدوم لأكثر من عامين، ولم يفصح والدي عن ذلك لكنه رفض أي تدريب لي في الكلية للحفاظ على بصري لأطول فترة ممكنة خاصة أن كليتي لا تقبل المكفوفين ولا أحد من عائلتها يعرف طريقة برايل”.
مرض وراثي
ظل والدها يخفي عنها الأمر إلى أن تخرجت من الكلية، وبدأ يمهد لها، وأخبرها بطبيعية حالتها، ولحسن الحظ كانت هناك طبيبة مصرية جاءت من أمريكا، وطلب منها والدها أن تذهب إلى تلك الطبيبة، لكنها لم تذهب إلا بعد وفاته، وأخبرتها الطبيبة بدورها أنها مصابة بالتهاب شبكي تلوني وراثي، ومن هنا بدأت رحلة التحدي التي خاضتها منة، لتكمل طريقها نحو النجاح والتميز دون يأس بدعم من إخوتها.
رحلة بطولة
“مازلت منصورًا ولم أهزم”، هكذا قررت منة منذ اليوم الأول بعد فقدان البصر، فاختارت رياضة الفروسية أولًا قبل أن تتجه إلى رماية القوس والسهم لتخوض التحدي الأكبر في لعبة تعتمد على دقة البصر في الأساس، تقول هي: روحت للمدرب قلتله ينفع اشترك فقال وستري بعد شهر واحد النتيجة”.
رماية القوس والسهم
وأوضحت منة: “كثير من الناس يعتقدون أن رماية القوس والسهم للمبصرين فقط؛ لأنها تعتمد على النظر بشكل كلي في البداية، لكن كلما طالت المسافة، أظن أنها لا تعتمد على النظر، مشيرة إلى أن المبصر ينظر من مكان داخل القوس؛ ليصيب الهدف، مشيرة إلى أنها تعتمد في تدريبها على (ستاند) يتم تصميمه بشكل معين، ومدربها يقوم بضبطه تجاه الهدف، تتمكن من خلاله من ضبط يدها”.
منة الله عصام،بالأمل تصنع المعجزات، ويصبح الحلم حقيقة لمن يتسلح بالعزيمة والإرادة، وبالفعل هذا ما حققته منة الله عصام عندما حطمت قيود المستحيل، بعد أن فقدت بصرها وهي في ريعان شبابها، لتصبح أول كفيفة مصرية عربية أفريقية تمارس رماية القوس والسهم.
قادرون باختلاف
شاركت منة في احتفالية “قادرون باختلاف” الأخيرة، وأثنى الرئيس عبد الفتاح السيسي على أدائها وشجعها؛ مما بث في داخلها سعادة كبيرة، كما حصلت على العديد من البطولات المحلية، وتطمح إلى المشاركة في بطولة إنجلترا للقوس والسهم للمكفوفين، مناشدة وزير الشباب والرياضة واتحاد القوس والسهم واتحاد المكفوفين بتسريع إجراءات قيدها؛ لتتمكن من المشاركة واللحاق بميعاد التقديم للبطولة قبل أن تغلق أبوابها في يوم 10 فبراير، مشيرة إلى أن هناك خبر تم تداوله على نطاق واسع بأن وزير الشباب والرياضة تواصل معها بشأن البطولة، وهذا غير صحيح، قائلة: إن مساعد الوزير تواصل مع رئيس اتحاد المكفوفين بشأن تلك البطولة.
واختتمت منة حديثها معنا برسالة: “لا تتوقفوا عند نقطة بعينها، واللي حابب يعمل حاجة يجربها مرة واثنين وثلاثة وعشرة، طالما هو حابب يعمل ده هيقدر يعمله، دي حقيقة وعن تجربة مررت بها، وخلي شعاركم مستحيل إن يبقى فيه مستحيل”