– مدربون يقنعون المشاركين بأنهم «مُصطفون» يمكنهم السيطرة على الأشياء
– الضحايا يؤكدون دخولهم «تجارب غريبة» ورؤية رموز بينها «نجمة داود»
– مسئولو الجلسات يفسرون القرآن والأحاديث بشكل خاطئ لتبرير أفكارهم
– إصابة المشاركين بـ«نوبات هلع» واضطرابات نفسية مع تكرار الجلسات
– أميرة تقتل ابنتها بحزام حقيبتها وهى تردد: «حان وقت ذهابى للسماء»
فى ليلة مظلمة بإحدى ضواحى القاهرة الجديدة، تحولت شقة هادئة إلى مسرح لجريمة هزت المجتمع بأكمله، بطلتها مضيفة طيران تونسية تُدعى أميرة بنت حمد، التى تعرف نفسها على أنها «خبيرة فى علم الطاقة والروحانيات».
وقفت «أميرة» وسط غرفة ابنتها «تارا» وعيناها تشعان بنظرات غريبة، قبل أن تقول: «حان وقت ذهابى إلى السماء»، وتمسك حزام حقيبتها وتخنق به الطفلة الصغيرة، ثم حاولت قتل نفسها بتوجيه عدة طعنات إلى رقبتها، لولا تدخل زوجها.
ما الذى دفع أمًا إلى ارتكاب مثل هذه الجريمة البشعة؟،كيف تحولت امرأة عادية إلى قاتلة مقتنعة بأنها تنفذ جريمتها بـ«أوامر إلهية»؟، وما دور ما يسمى بـ«علم الطاقة والروحانيات» فى هذه المأساة؟
أسئلة تحاول «الدستور» الإجابة عنها فى السطور التالية، من خلال رحلة بحث قادتنا إلى أن «أميرة» ليست الضحية الوحيدة لما يسمى بـ«علم الطاقة والروحانيات»، الذى نقتحم قلعته الحصينة، ونكشف ما بداخلها من أسرار وخفايا تستحق تسليط الضوء.
«ندى»: الجلسة بـ١٠٠٠ جنيه.. وأصابتنى بـ«هلاوس»
فى عالم وسائل التواصل الاجتماعى الملىء بالوعود السحرية، وجدت ندى كمال «اسم مستعار»، الثلاثينية الحاصلة على ليسانس آداب، نفسها منجذبة إلى عالم غامض يسمى «علم الطاقة».
بدأت رحلتها فى هذا العالم قبل ٥ سنوات، من خلال قراءة منشورات على «إنستجرام» عن «تنظيف» ما يسمى «الشاكرات» أو «الهالة»، التى يقصد بها بشكل مُبسط للغاية «مراكز الطاقة فى جسم الإنسان»، وكذلك «أجهزة توجيه وإرسال الطاقة والمعلومات التى تمكننا من التفاعل مع البيئة المحيطة».
«كنت أطبق ما أراه على (يوتيوب) من تأملات للوصول إلى (الطفل الداخلى) والتصالح معه». تتذكر «ندى» الدافع وراء اتجاهها إلى «علم الطاقة»، لكنها لم تكن تدرك أنها على وشك الانزلاق فى عالم أكثر تعقيدًا وخطورة.
بدأت «ندى» الجلسات عبر تطبيق «سكايب» مع «معلم غامض»، وفق وصفها إياه، مضيفة: «كان يطلب منى إخباره بكل ما يحدث معى. كنت بدأت أرى أحلامًا غريبة، وكان يفسرها بأنها علامات على التخلص من الظلم واكتساب الحكمة».
رغم الشكوك الداخلية والتكلفة الباهظة البالغة ٥٦٠٠ جنيه لـ٥ جلسات، استمرت «ندى» فى طريق «علم الطاقة والروحانيات»، رغم «أننى لم أكن أرى أى تقدم فى حياتى، لكن المعلم كان دائمًا يدّعى معرفة أمور غيبية، ما هزم أى تشكيك لدىّ».
مع تعمقها فى ممارسات «علم الطاقة»، بدأت «ندى» تختبر تجارب غريبة، وترى هلاوس بصرية وسمعية. تشرح: «خلال التأملات كنت أشعر وكأننى فى حالة هذيان، أرى رموزًا غريبة مثل البومة ونجمة داود وصورة العذراء».
واختتمت بقولها: «جميعنا وقع فى نفس الفخ.. يخبرونك بأنك من المُصطفين، وأن هذا الاصطفاء يُمكنك من السيطرة على حياتك. لكن كلها أوهام، والحقيقة هى أن هذه الممارسات خطيرة وقد تدمر حياتك».
«شيرين»: حاولت علاج قدمى فكدت أشرك بالله
الضحية الثانية شيرين سعيد «اسم مستعار»، وهى فى منتصف الثلاثينات من عمرها، وتعمل فى مجال التنمية البشرية، وبدأت قصتها مع «علم الطاقة» بمعاناتها من ألم فى القدم، دفعها للبحث عن «حلول غير تقليدية».
تقول «شيرين»: «أصدقائى نصحونى باللجوء إلى علم الطاقة لعلاج قدمى. وعدونى بتحرير المشاعر والأفكار. لكن ما وجدته كان أشبه بمسرحية سيكودراما غريبة»، بعدما «غرقت فى عالم من الدورات والجلسات الجماعية».
تضيف: «قالوا لى إننى سأكتشف أسرار أجدادى، وسأتمكن من إطلاق قدراتى الخفية، مدعين أننى أمتلك بصيرة خارقة. وعندما كان يصيبنى الشك يتهموننى بوجود (بلوك طاقى) أو نقص فى الوعى».
مع مرور الوقت، بدأت «شيرين» تلاحظ التناقضات فى هذا العالم الغامض. تقول: «شعرت بأن هناك خطأ ما، فبدأت أبحث عن آخرين تركوا هذا المجال لأفهم السبب، خاصة أننى عانيت من كوابيس ووساوس متزايدة».
كانت نقطة التحول لدى «شيرين» عندما قررت «دراسة العقيدة الإسلامية بعمق»، فـ«أدركت أن وقوعى فى هذا الفخ كان نتيجة الجهل»، وفق ما تقوله لـ«الدستور»، مشيرة إلى أن «مسئولى جلسات الطاقة كانوا يفسرون القرآن والأحاديث بشكل خاطئ لتبرير أفكارهم».
بعد عام ونصف العام من المعاناة، وجدت «شيرين» الخلاص فى العودة إلى «جذورها الإيمانية»، وفق ما تقول، مضيفة: «القرآن والأذكار وقيام الليل ساعدتنى فى استعادة توازنى».
واختتمت محذرة من مخاطر «علم الطاقة»، الذى «يبالغ بشأن قدرة الإنسان على تغيير واقعه، متجاهلًا الإيمان بالقضاء والقدر»، معتبرة أن أصحابه «يحاولون إبعاد الله عن الصورة تدريجيًا، وهذا هو الخطر الحقيقى، الذى كاد يصل بى إلى الشرك».
«أمل»: جعلنى أعتقد بقدرتى على جذب الأشياء
القصة الأخيرة ذهبت بنا إلى سوريا الشقيقة، حيث الشابة العشرينية أمل كامل «اسم مستعار»، التى قالت إن رحلتها مع «علم الطاقة» بدأت عام ٢٠٠٨، حين تعرفت على مدرب مشهور فيما يسمى «البرمجة اللغوية العصبية».
تتذكر «أمل»: «كنت أبحث عن طريقة للسيطرة على حياتى وتحقيق النجاح، فبدأت أحضر فيديوهات للمدرب سالف الذكر وأشترى كتبه، حتى تملكنى شعور بأننى قادرة على جذب الأشياء أو إبعادها عنى».
استمرت رحلة «أمل» مع «علم الطاقة» سنوات، تنقلت خلالها من «مدرب طاقة» إلى آخر، حتى التقت مدربًا جديدًا فى ٢٠١٣، وبعد أسبوعين من التدريب معه تعرضت لما لا يقل عن ١٠ «نوبات هلع»؛ بسبب «الذكريات المؤلمة التى كان يستخرجها». ما أثار قلق «أمل» حقًا، هو شعورها بتأثير روحانى غريب. تقول: «فى أحد التدريبات، طلب المدرب منا تحريك أيدينا بطريقة معينة لجمع الطاقة، ورفضت ذلك، لكن يداى تحركتا بنفس الطريقة، دون إرادة منى».
مع مرور الوقت، وجدت الشابة السورية نفسها تبتعد تدريجيًا عن إيمانها وعلاقتها بالله، خاصة أن «المدربين كانوا يقللون تدريجيًا من رهبة الله فى قلوبنا، ويجعلوننا نعتمد فقط على أنفسنا».
بحلول عام ٢٠٢٠، أدركت «أمل» أنها وقعت فى «فخ»، وفق تعبيرها، مضيفة: «وجدت نفسى فى موقف صعب. إما أن أقبل هذه الأفكار وأتخلى عن إيمانى، أو أرفضها وأعود لصورتى القديمة عن نفسى. استغرق الأمر وقتًا طويلًا لأدرك الضرر الذى سببته هذه التجربة فى علاقتى بالله ونفسى».
وحذرت جميع المقبلين على هذا «النوع من الفضول»، مشيرة إلى وجود العديد من المخاطر وراء الممارسات الخاصة به، إلى جانب وعود كاذبة بالقوة والسيطرة الكاملة على الحياة، معتبرة أن «السلام الحقيقى يأتى من الإيمان بالله، والتوازن بين الجهد الشخصى والتوكل عليه».
ممارسون:أغلب مدربيه جاهلون به واستقوا معلوماتهم من الإنترنت.. والتعامل معهم يقود إلى «الوهم»
فى رحلة البحث عن أسرار هذا العالم، بدأنا البحث عن «علماء ومدربى الطاقة» الذين يقدمون مثل هذه الدورات، فأرشدتنا ندى كامل إلى حساب على «إنستجرام»، يدّعى أصحابه أنهم «علماء طاقة»، فتواصلنا معهم لمعرفة آلية عملهم، لكنهم رفضوا الرد، واكتفوا بأن «كل شىء على الصفحة».
باستعراض منشورات الحساب الذى يُدعى «ل. خ»، ويتابعه ١٤.٦ ألف شخص، وجدنا أنها تعرض تقديم مجموعة من «الدورات فى علم الطاقة»، بعضها بلا مقابل مالى، وأخرى بـ٢٥٠٠ جنيه، تحت عناوين عريضة مثل «يم الأربعين» و«علم الكتاب»، وأخرى عن أكواد وأرقام غامضة. وصلنا إلى صفحة أخرى على «فيسبوك» تُدعى «أ. س»، القائم عليها محامٍ يُدعى محمد إبراهيم، وهو أحد أتباع طريقة صوفية تُدعى «البرهانية الدسوقية الشاذلية»، الذى حدثنا عن علم الطاقة وأبعاده الروحانية، والخطورة المحتملة من سوء استخدامه. وقال «إبراهيم»: «علم الطاقة سلاح ذو حدين، وهو من أخطر الأسلحة التى يُضرب بها العالم حاليًا. المشكلة تكمن فى وضعه بين أيدى من لا يفهمون أبعاده الحقيقية، ما قد يؤدى إلى نتائج عكسية دون إدراك»، معتبرًا أن «هذا العلم مرتبط بعوالم روحانية عميقة تشمل الجن والملائكة والأولياء، والدخول فيه يضع الشخص فى دائرة باطنية لها تبعاتها الخطيرة».
وأضاف عن استخدام الآيات القرآنية والأدعية والأذكار فى «علم الطاقة»: «يجب الحصول على إذن من شيخ مأذون له بالتصرف فى معانى الآيات، وهذا الإذن يأتى بسلسلة متصلة من حضرة النبى، صلى الله عليه وسلم، عبر الأولياء والمشايخ».
وحذر «عالم الطاقة» من خطورة التعامل مع هذا العلم دون علم وتوجيه صحيح، لأن سوء فهمه أو تطبيقه يؤدى إلى حالات من الوهم والاضطرابات النفسية، مضيفًا: «الروحانيات علوم لدنية لا يفهمها إلا من أوتى حكمة خاصة، حتى لو كان نبيًا، كما حدث فى قصة سيدنا موسى مع الخضر، عليهما السلام».
وتابع: «علوم الطاقة كلها قائمة على السحر، وهى علوم كونية حقيقية، كانت موجودة ومعترفًا بها قبل أن يأمر الله برفعها. لكنها لا تزال موجودة، ويمكن استخدامها بالقرآن، والنية هى الأساس فى كل الأحوال»، وفق تعبيره.
ونبه إلى أن «هناك من يستخدم آيات معكوسة أو بغير ترتيبها الصحيح، ما يؤثر بالسلب على أتباعه»، مشيرًا إلى أن «كل كائن حى عبارة عن مركبات وجزيئات وعناصر، وهذه فى النهاية شحنات، وطالما هناك شحنة، فهناك تردد وذبذبة، ومن يمتلك علم الرقم والهندسة الكونية يمكنه التلاعب بأى كائن حى».
وعن الفرق بين استخدام هذه العلوم فى التصوف الإسلامى، وممارسات الطاقة الحديثة، قال «إبراهيم»: «فى التصوف نفعل ذلك تعبدًا وحبًا لله. أما فى علوم الطاقة فيعتقد الممارس أنه هو من يفعل كل شىء، فيجعل من نفسه إلهًا».
وحذر من خطورة تعلم هذه العلوم دون إذن وتوجيه صحيح، معتبرًا أن «من يتعمق فى هذا العلم بإذن صحيح قد يصل إلى مقام القطبية أو الصديقية، وهى أعلى درجات الولاية. أما من يفعل ذلك دون إذن فيصبح دجالًا، حتى لو امتلك خوارق».
ونصح الراغبين فى التعلم بأن «الشيخ الحقيقى لا يُعلّم هذه الأمور مباشرة، بل يدل على الله ورسوله بالكتاب والسنة، وإذا رأى فيك الاستعداد، قد يمنحك بعض العلوم تلقائيًا. أما من يروج لهذه العلوم علنًا فهو غير أمين وغير مؤهل»، مختتمًا بقوله: «هذه العلوم خطيرة جدًا، وأنصح الناس بعدم الانسياق وراء من يدّعون تعليمها، فقد رأيت حالات كثيرة انتهت بالوهم والضرر».
وجدنا كذلك مجموعة مفتوحة على «فيسبوك» تدعى «م.ع.ط.ح»، المشرف عليها هو الدكتور وليد صلاح الدين، الذى عرّف نفسه بأنه حاصل على دكتوراه فى علم النفس، واستشارى الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، و«خبير بعلوم الطاقة الحيوية والكونية والاستشفاء الذاتى».
وقال «صلاح الدين»: «أغلب الممارسين لعلم الطاقة لم يتلقوا تدريبًا صحيحًا، ومعظم معلوماتهم مستقاة من الإنترنت»، معتبرًا أنه «من المهم أن يكون من يتحدث عن الطاقة شخص معتمد وعلى دراية كاملة بالموضوع». وكشف عن أن دخوله هذا المجال جاء بعد مواجهته «حالات غريبة» خلال ممارسته الطب النفسى، مشيرًا إلى أنه «فى الدول الغربية، رغم عدم الإيمان بالجن، هناك من يتعامل مع ما يسمونه (كينونات علوية)، وللأسف تأثر العديد من المدربين العرب بهذا الفكر، ما تسبب فى كوارث عديدة».
أزهرى: دجل وشعوذة.. والتداوى الطبيعى هو الحل
رأى الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن ما يسمى «العلاج بالطاقة» مجرد نوع من «الدجل والشعوذة»، مشددًا على أن «الإسلام يحث على التداوى بالطرق الطبية المعروفة».
واستشهد «كريمة» بحديث نبوى شريف يدعو المسلمين للعلاج: «تداووا عباد الله فإن الله عز وجل لم ينزل داءً إلا وأنزل له شفاء إلا الموت»، وبالآية القرآنية التى تحث على سؤال أهل الاختصاص «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون».
وأضاف: «الطب التقليدى هو المسئول عن علاج الأمراض النفسية والعضوية»، محذرًا من الانسياق وراء الادعاء بوجود جامعات تدرس «العلاج بالطاقة»، أو اللجوء من الأساس لهذا النوع من العلاج.
فى محاولة أخرى للاقتراب أكثر من هذا العالم، تواصلنا مع الدكتورة مى عبدالحميد همام، إخصائية «العلاج بالطاقة الحيوية للأنسجة والخلايا»، الحاصلة على ماجستير التغذية العلاجية الإكلينيكية من كلية الصيدلة جامعة قناة السويس.
إخصائية: علم طبى بحت يساعد فى فهم حكمة الله فى الخلق بعيدًا عن الممارسات الخرافية
نبهت د. «مى» فى بداية حديثها إلى أهمية التمييز بين الدراسة العلمية للطاقة الحيوية، والممارسات الخرافية الشائعة، مشيرة إلى أن «الطاقة الحيوية للأنسجة والخلايا» علم طبى بحت، يدرس تأثير العوامل النفسية والخارجية على الجسم، وتحديدًا على مستوى الخلايا. وحذرت من انتشار كتب وممارسات تخلط بين العلم والخرافة، معتبرة أن «الفهم الصحيح لعلم الطاقة يتوافق مع العقيدة الإسلامية وجميع الأديان السماوية»، ومشيرة إلى أن دراستها هذا المجال جاءت عبر طبيب جراح بريطانى.
وأضافت: «هذا العلم يركز على تأثير الإنسان على محيطه وليس العكس»، مصداقًا لقوله تعالى: «إِنّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ»، لافتة إلى أن العلاج بهذا المنهج يبدأ بمعالجة النفس، مع استخدام تقنيات مثل الحجامة والضغط على نقاط معينة فى الجسم.
وواصلت: «هذا العلم يساعد فى فهم حكمة الله فى خلق الإنسان، ويعزز القدرة على الاستشفاء الذاتى»، محذرة من الممارسين الذين يدّعون قدرات خارقة أو يستغلون الناس باسم العلاج الروحانى.
وتختتم حديثها بتأكيد أن «هذا العلم سيكتسب أهمية متزايدة فى المستقبل، خاصة مع تزايد الأمراض التى يصعب تفسيرها بالطب التقليدى».