في جنوب صربيا، بين التلال الخضراء والمناظر الطبيعية الخلابة، تقع قرية صغيرة تُدعى “دونجا لوكوسنيكا” (Donja Lokosnica). هذه القرية، التي لا يزيد عدد سكانها على 1,300 نسمة، اكتسبت شهرة عالمية فريدة من نوعها، حيث باتت تُعرف بـ”عاصمة الفلفل الحار في العالم”. ما الذي يميز هذه القرية الصغيرة؟ الجواب يكمن في الفلفل الأحمر الحار الذي يلون سماء القرية ويغطي منازلها وحقولها بعبق حار ومثير.

 

 

 

 

زراعة الفلفل: نبض الحياة في القرية

 

 

تُعتبر دونجا لوكوسنيكا المركز الرئيسي لزراعة الفلفل الأحمر الحار في صربيا، حيث يعتمد ما يقرب من 90% من سكان القرية على هذه الزراعة كمصدر رئيسي للرزق. مع اقتراب نهاية الصيف، يبدأ موسم حصاد الفلفل، وتتحول القرية إلى ما يشبه معرضًا طبيعيًا للألوان. يُعلق الفلفل الأحمر على أسطح المنازل والشرفات والجدران ليجف، مشكلًا لوحات فنية زاهية تجعل القرية تبدو كما لو كانت مغمورة ببحر من اللون الأحمر.

 

 

يستخدم الفلفل المجفف في العديد من الصناعات الغذائية في صربيا، بما في ذلك صناعة الفلفل المطحون (البابريكا)، الذي يُعد عنصرًا أساسيًا في المطبخ المحلي والبلقاني عمومًا. كما يتم استخدامه في إنتاج الصلصات الحارة والبهارات الأخرى. بفضل جودة الفلفل المزروع في هذه المنطقة، أصبحت دونجا لوكوسنيكا وجهة رئيسية للتجار والمصدرين الذين يبحثون عن أفضل أنواع الفلفل الحار.

 

لماذا سُميت بعاصمة الفلفل الحار في العالم؟

 

 

اكتسبت دونجا لوكوسنيكا لقب “عاصمة الفلفل الحار في العالم” ليس فقط بسبب الكميات الهائلة التي تنتجها من الفلفل، بل أيضًا بسبب الطريقة التقليدية والفريدة التي يتم بها تجفيف هذا المحصول. بمجرد دخولك القرية خلال موسم الحصاد، لا يمكنك إلا أن تشعر برائحة الفلفل المنتشرة في الهواء، وتشاهد آلاف خيوط الفلفل الحار المعلقة على كل شرفة وجدار. يُقدر أن القرية تنتج ما يقرب من 500 طن من الفلفل الحار سنويًا، مما يجعلها من أكبر مراكز الإنتاج في منطقة البلقان.

 

 

 

العملية ليست مجرد زراعة؛ إنها تقليد متوارث عبر الأجيال. عائلات بأكملها تعمل معًا في حقول الفلفل، حيث يتم قطف الفلفل بعناية يدوية، ثم ربطه بخيوط طويلة ليُعلق ويجف في الشمس. هذه العادة التراثية لم تتغير على مر السنين، وتُعتبر جزءًا لا يتجزأ من هوية القرية وثقافتها.

 

 

 

على الرغم من شهرتها العالمية، تواجه قرية دونجا لوكوسنيكا تحديات كثيرة. الشباب يميلون إلى مغادرة القرية بحثًا عن فرص عمل في المدن الكبرى، مما يهدد استمرارية هذا التراث الزراعي. ومع ذلك، لا يزال العديد من الأسر مصممًا على الحفاظ على هذه الحرفة التقليدية والاعتماد على الفلفل كرمز للهوية الجماعية والاقتصاد المحلي.

 

 

السياحة بدأت تلعب دورًا مهمًا في دعم القرية، حيث أصبح العديد من الناس من داخل وخارج صربيا يأتون لرؤية “عاصمة الفلفل الحار” والمشاركة في احتفالات الحصاد التقليدية.

 

بالنسبة لسكان دونجا لوكوسنيكا، الفلفل الحار ليس مجرد محصول اقتصادي، بل هو رمز للصبر والعمل الجماعي والتقاليد المتوارثة والحفاظ على تراثهم وهويتهم الثقافية.

Loading

By عبد الرحمن شاهين

مدير الموقع الإلكتروني لجريدة الأوسط العالمية نيوز مقدم برنامج اِلإشارة خضراء على راديو عبش حياتك المنسق الإعلامي للتعليم الفني