خوف السوريين في عهد نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد إلى درجة عدم قدرتهم على التحدث بحرية داخل بيوتهم.

 السوريين طوروا لغة مشفرة خاصة بهم عند التحدث عن الأمور السياسية، وذلك تجنبا للفت انتباه الشرطة السرية.

  تناقل السوريون تحذيراً من جيل إلى جيل، على مدى عقود من الزمان، مفاده: “الجدران لها آذان” سواء في المقاهي وسيارات الأجرة والأسواق، وحتى في غرف المعيشة الخاصة بهم.  

ولم يكن بوسع أغلبهم التحدث بحرية، خوفاً من أن تسمعهم مخابرات بشار الأسد.

و من أجل حفاظ الأسد على قبضته، زرع نظام الخوف، وانتشرت جذوره في كل جانب من جوانب الحياة المدنية،فعمال النظافة في الشوارع، وجامعو القمامة، وبائعو البالونات، والزملاء ــ كان بوسع أي شخص منهم أن يكون مخبراً.

ونقلت  عن مقيم في دمشق ويبلغ من العمر 26 عاماً يدعى أيمن رفاعي: “وصل الخوف في البلاد إلى مستوى شعرت معه وكأنك لا تستطيع أن تثق حتى بعائلتك”.

وفي ظل هذه البيئة المراقبة، ارتجل السوريون، وطوروا شفرة تسمح لهم بمناقشة كل شيء، من التجارة اليومية إلى المخاوف على عائلاتهم، وحتى الانتقادات المبطنة للنظام. وكانوا يستخدمونها بين أفراد الأسرة والأصدقاء الموثوق بهم،  .

أكدت علياء مالك، مؤلفة كتاب “الوطن الذي كان بلدنا: مذكرات سوريا”: “كان لزاماً علينا أن نستخدم لغة مشفرة بين السوريين، لأن حرية التعبير الحقيقية لم تكن متاحة. لم يكن أحد يعرف من كان يستمع، بغض النظر عن مكان وجودك. كانوا حاضرين حتى في غيابهم..”

قالت ميسون، 49 عاماً، التي تحدثت شريطة أن يتم الكشف عن اسمها الأول فقط لأنها تخشى الانتقام من أنصار الأسد: “لا يمكنك التحدث على الإطلاق عن النظام. إذا أردنا أن نشكو من شيء ما، اعتدنا أن نشير بإصبعنا إلى السقف، أي الحكومة.”

وإذا شك السوريون في شخص قريب منهم، فإنهم يقولون: “هذا الشخص لديه خط يد جميل”، وهو ما يعني أن “هذا الشخص مخبر”.

لم تعش ميسون في دمشق فحسب، بل عاشت أيضاً في لبنان وفرنسا. ولم تشعر أبداً بالأمان من النظام حتى خارج البلاد. وفي كل مرة كانت فيها ضمن مجموعة كبيرة من السوريين، كانت تتساءل عما إذا كان أحد أفراد المجموعة لديه “خط يد جميل”، كما تتذكر.

بينت الصحيفة أن  ميسون فرت هي وعائلتها، عام 2012، من دمشق إلى بيروت. وهناك، وللمرة الأولى، بدأت ابنتها البالغة من العمر سبع سنوات تسمع قصص الفظائع التي ارتكبها الأسد والتي حاول والداها جاهدين حمايتها منها.

وبعد مرور عام، قرروا العودة إلى ديارهم، متمسكين بالأمل في أن يكون الأسوأ قد مر. لكن الشائعات انتشرت بأن الحراس عند نقاط التفتيش كانوا يسألون الأطفال عن زعيمهم السياسي المفضل كحيلة لقياس ما إذا كانت الميول السياسية للوالدين قد انحرفت بعيدًا عن النظام.

وقبل أن يغادروا، سحبت ميسون ابنتها الصغرى جانبًا وقالت: “لا تصدقي ما أخبرك به جيراننا عن الأسد. إنه رجل طيب. إنهم لا يعرفون ما يتحدثون عنه”. واقتنعت أن الحقيقة يجب إخفاؤها.

وأكدت الصحيفة شعور السوريين بحرية التحدث بعدما أطاحت هيئة تحرير الشام بالأسد، الشهر الجاري.

وأضاف رفاعي، الذي عبر عن عدم استطاعته تصديق أنه يستطيع استخدام اسمه الكامل أثناء حديثه إلى أحد المراسلين، قائلا: “لماذا تخفض صوتك؟. ليس هناك ما يدعو للخوف”.

بدوره، قال ثابت بيرو، 60 عاماً، وهو عالم كمبيوتر نشأ في دمشق ويعيش في دبي: “الآن يمكنني استخدام اسمي الحقيقي”، لأنه استخدم أسماء وهمية للتعبير عن آرائه عبر الإنترنت منذ سنوات.

وأردف بيرو أنه أثناء إقامته في سوريا، لم يكن حتى ينطق بكلمة “دولار” في الأماكن العامة، موضحا: “كان الناس يشيرون إليها باسم “الأخضر. وبمجرد أن أدركت السلطات الأمر، غيرت الاسم إلى مصطلحات خضراء أخرى، مثل “البقدونس” أو “النعناع”.

جدير بالذكر، أنه خلال أغلب فترة حكم الأسد، كان تداول العملات الأجنبية غير قانوني – يعاقب عليه بالسجن لسنوات – من أجل السيطرة على سعر صرف الليرة المحلية.

 كان الاعتقال خوفًا شائعًا لدى معظم السوريين منذ أن كان حافظ الأسد، والد بشار الأسد، في السلطة. ومنذ ذلك الحين، كانوا يشيرون إلى الذهاب إلى السجن على أنه “ذهاب إلى بيت عمتك”، كما روى العديد من السوريين. ووفقًا للشبكة السورية لحقوق الإنسان، اختفى أكثر من 110 آلاف معتقل “قسراً” من قبل النظام منذ عام 2011. وتوفي أكثر من 15 ألف شخص تحت التعذيب.

استرجع عبد الوارث لحام (45 عاماً) ذكريات احتجازه لمدة يومين في يناير 2012، عندما تم اعتقاله أثناء مشاركته في احتجاج مناهض للحكومة خلال فترة الانتفاضة الشعبية ضد الأسد، متذكرا ضرب الحراس له لساعات بالسياط والقضبان المعدنية.

وقال لحام: “لقد فوجئت بقدرة الجسم البشري على التحمل”، مبينا أنه أمضى ليلتين على الأرضية الصلبة لزنزانته. وحاول تجنب الأكل والشرب لأنه لم يكن هناك حمامات يمكن استخدامها.

وأنتباته أفكار غريبة حينها مثل: “هل سأرى زوجتي وطفلي مرة أخرى أم لا؟”، مؤكدا على شعوره بأمر غريب عندما أُطلق سراحه: “كنت أعلم أننا نترك الناس خلفنا. بعضهم لن يتمكن من الخروج أبدًا”.

وتذكر  لحام كيف تم تقديم التجربة برمتها بطريقة بيروقراطية، إذ أطلق على الدفعة الأولى من الضرب الذي تعرض له “حفل استقبال”. بعد ذلك، ألقى الحراس محاضرات عليه وعلى العشرات من السجناء الآخرين حول “المعنى الحقيقي للحرية”.

لم تكن اللغة المشفرة مقتصرة على المدنيين، فاستخدم نظام الأسد قاموسه الشرير الخاص، حسبما وصفته الصحيفة.

قالت المؤلفة علياء مالك إنه لاستدعاء شخص ما للاستجواب أو العقاب، كانت الشرطة السرية السورية، المخابرات، تدعوه إلى “فنجان شاي”.

وكان لحام على دراية بهذه الكلمات، قائلا: “أو فنجان من القهوة، إذا كان الأمر أكثر خطورة”.

ثم كانت هناك المزيد من التهديدات المواجهة التي أوضحها لحام: “هل تعرف مع من تتحدث؟” كانت هذه هي العبارة التي يستخدمها شخص ما للإشارة إلى أنه قريب من عائلة الأسد.

وشدد لحام: “لقد عانينا من هذه العبارة. إنها تنهي أي محادثة”.

ومع انتقال سوريا إلى حكومة جديدة، يتوق بيرو للعودة. وهو ليس الوحيد: فالآلاف من السوريين الذين فروا من النظام يعودون إلى وطنهم.

واختتمت الصحيفة تقريرها بترك نظام الأسد بصمات الخوف حتى بعد خروجه من السلطة، مبينة أن بيرو لا يزال يعاني من كوابيس بأن الشرطة سوف تقبض عليه في النهاية.

Loading

By عبد الرحمن شاهين

مدير الموقع الإلكتروني لجريدة الأوسط العالمية نيوز مقدم برنامج اِلإشارة خضراء على راديو عبش حياتك المنسق الإعلامي للتعليم الفني