في ظل تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل، وارتفاع حدة التهديدات المتبادلة حول البرنامج النووي الإيراني، تبرز منشأة ‘فوردو’ لتخصيب اليورانيوم كأحد أبرز الأهداف المحتملة في أي ضربة عسكرية إسرائيلية أو مشتركة مع الولايات المتحدة.
فوردو ليست منشأة نووية عادية، بل تمثل لبًّا استراتيجيًا في البنية النووية الإيرانية، وأي استهداف لها سيفتح الباب أمام سيناريوهات معقدة ذات أبعاد عسكرية وبيئية وجيوسياسية.
ما هي منشأة فوردو؟
تقع منشأة فوردو تحت جبل قرب مدينة قم، وسط إيران، على عمق يصل إلى أكثر من 80 مترًا داخل الصخور الجبلية.
وتم تصميمها خصيصًا لمقاومة القصف الجوي والصواريخ بعيدة المدى.
تم اكتشافها علنًا في عام 2009 بعد أن كانت سرية بالكامل، ومنذ ذلك الحين أصبحت جزءًا محوريًا في مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني مع القوى الكبرى.
تحتوي المنشأة على أكثر من ألف جهاز طرد مركزي، بعضُها من الجيل المتقدم، وتستخدم لتخصيب اليورانيوم حتى مستويات تتجاوز 60%، وهي نسبة تقرب كثيرًا من مستوى الاستخدام العسكري، ما يثير قلق القوى الغربية.
ما أهمية فوردو؟
تُعد فوردو واحدة من المنشآت القليلة التي احتفظت إيران بحق تخصيب اليورانيوم فيها حتى بعد الاتفاق النووي عام 2015، ما يضفي عليها بعدًا رمزيًا واستراتيجيًا مزدوجًا.
قنابل خارقة للتحصينات
استهداف منشأة مثل فوردو يتطلب إمكانات عسكرية متقدمة جدًا، المنشأة تقع في عمق الأرض، محاطة بطبقات كثيفة من الصخور، مما يجعل تدميرها الكامل شبه مستحيل باستخدام القنابل التقليدية.
للقضاء عليها فعليًا، يتوجب استخدام قنابل خارقة للتحصينات، مثل القنبلة الأمريكية GBU-57 المعروفة باسم ‘مطرقة الله’، والتي يبلغ وزنها أكثر من 13 طنًا، وقادرة على اختراق عمق يصل إلى 60 مترًا في الخرسانة قبل الانفجار.
ورغم أن إسرائيل لا تملك هذه القنبلة بشكل مؤكد، إلا أن التنسيق العسكري مع واشنطن قد يتيح تنفيذ ضربة مشتركة، خاصة إذا تم تزويد سلاح الجو الإسرائيلي بهذه القنابل أو السماح له باستخدام منصات أمريكية في المنطقة.
ومع ذلك، فإن تنفيذ مثل هذه الضربة يتطلب عمليات استطلاع دقيقة، وتنسيقًا عسكريًا عالي المستوى، وقد يتضمن مجازفة كبيرة في ظل وجود دفاعات جوية إيرانية متطورة مثل منظومات ‘خرداد’ و’باور 373′ الإيرانية محلية الصنع، المصممة لاعتراض الطائرات والصواريخ على ارتفاعات عالية.
هل لها آثار اشعاعية؟
فوردو ليست مفاعلًا نوويًا نشطًا ينتج حرارة أو نفايات مشعة عالية المستوى، بل هي منشأة لتخصيب اليورانيوم باستخدام أجهزة الطرد المركزي.
وبالتالي، فإن احتمالية حدوث انفجار نووي أو كارثة إشعاعية كبرى تُشبه ما وقع في تشيرنوبل أو فوكوشيما تبقى محدودة.
ومع ذلك، فإن المنشأة تحتوي على كميات كبيرة من اليورانيوم في صورة غازية تعرف باسم سادس فلوريد اليورانيوم (UF6)، وهي مادة شديدة السمية والإشعاع في الوقت نفسه.
في حال استهداف الخزانات التي تحتوي على هذه المادة، فإن انفجارها أو تسربها إلى الهواء قد يؤدي إلى تشكل سحابة سامة تحتوي على نظائر مشعة مثل اليود-131 والسيزيوم-137، وهي قادرة على الانتقال عبر الرياح لمسافات طويلة. الأثر المباشر سيكون على السكان في مدينة قم والمناطق المجاورة، حيث قد يؤدي الاستنشاق المباشر لهذه المواد إلى أضرار رئوية وكُلوية، إضافة إلى خطر امتصاص الغدة الدرقية للنظائر المشعة.
إلا أن وصول تأثير إشعاعي إلى دول بعيدة مثل مصر أو الخليج العربي يتطلب ظروفًا جوية استثنائية، وهو أمر غير مرجح بحسب خبراء الأرصاد والإشعاع.
ماذا سيكون رد الفعل الإيراني؟
استهداف منشأة فوردو لن يمرّ بهدوء، إيران تعتبر هذا الموقع جزءًا من أمنها القومي، وسبق أن حذّرت مرارًا من أن أي هجوم عليه سيُقابل برد شامل على المصالح الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة.
قد يشمل الرد ضرب قواعد أمريكية في العراق وسوريا، استهداف منشآت نفطية في الخليج، أو إطلاق صواريخ دقيقة عبر حلفائها في لبنان واليمن.
كما قد ترد إيران بخطوات نووية خطيرة، مثل طرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أو الإعلان عن رفع نسبة التخصيب إلى أكثر من 90%، وهو ما يُعدّ تجاوزًا فعليًا للخط الأحمر نحو إنتاج سلاح نووي.
هذا السيناريو قد يدفع المنطقة إلى سباق تسلح نووي، ويخلق أزمة شرعية للأمم المتحدة في التعامل مع الانتشار النووي في الشرق الأوسط.
ضربة مباشرة لأسواق الطاقة بسبب مضيق هرمز
أي هجوم على منشأة نووية داخل إيران ستكون له انعكاسات فورية على أسعار النفط والغاز. المنشأة تقع على بعد أقل من 200 كيلومتر من مضيق هرمز، الذي تمر عبره حوالي 20% من صادرات النفط العالمية يوميًا.
وفي حال قررت إيران إغلاق المضيق أو تهديد الملاحة فيه كرد فعل، فقد ترتفع أسعار النفط بنسبة قد تتجاوز 20% في غضون أيام، مما يفاقم أزمة الطاقة العالمية ويزيد الضغوط على اقتصادات أوروبا وآسيا.
الأسواق العالمية أظهرت سابقًا هشاشتها أمام التهديدات في الخليج، حيث أدى مجرد استهداف منشآت أرامكو السعودية في 2019 إلى ارتفاع الأسعار بنسبة 15% خلال ساعات، رغم أن الإنتاج عاد سريعًا.
أما في حال اندلاع صراع مفتوح بسبب قصف فوردو، فإن الأثر سيكون أعمق وأطول أمدًا.
هل بضرب المنشأة سينتهي البرنامج النووي الإيراني؟
المنشأة مصممة لتقاوم التدمير، وقصفها قد لا يؤدي إلى القضاء الكامل على البرنامج النووي الإيراني، لكنه بالتأكيد سيؤدي إلى تصعيد غير مسبوق في الإقليم.
المخاطر البيئية محدودة جغرافيًا لكنها غير معدومة، أما التداعيات الجيوسياسية والاقتصادية فستكون واسعة النطاق، وقد تدفع الشرق الأوسط إلى واحدة من أعقد مراحله منذ عقود.
إذا تحول التهديد إلى واقع، فإن العالم سيكون أمام أزمة جديدة، ليست فقط حول الملف النووي الإيراني، بل حول مصير الاستقرار الإقليمي بأكمله.