بقلم/ سيد الأسيوطي
في زمن تتقاذفه العواصف الدولية، وتتشابك فيه المصالح بين القوى الكبرى، تقف مصر شامخة في مواجهة التحديات، لا كمتفرج ضعيف كما يروج المشككون وأصحاب الشعارات العنترية الجوفاء، بل كفاعل رئيسي يملك قراره بوعي استراتيجي حديث يحفظ للدولة مكانتها، ويصون كرامتها وحضارتها، ويضمن للشعب حقوقه.
لقد ظن البعض أن مصر ستظل مجرد “تابع” في لعبة الأمم، لكن الواقع أثبت العكس. الدولة المصرية العريقة تتحرك بحكمة وقوة في ملفات ملتهبة: من غزة إلى أفريقيا، ومن شرق المتوسط إلى البريكس، لتؤكد أن القاهرة لم تعد ساحة تأثير فقط، بل صارت صانعة للتوازنات في عالم مضطرب.
وفي قلب هذا المشهد، يبرز ملف غزة والقضية الفلسطينية. مصر حددت موقفها منذ اللحظة الأولى: لا تهجير للفلسطينيين، ولا تصفية للقضية. لكن المفاجأة جاءت من رئيس وزراء إسرائيل نفسه، الذي اعترف علنًا بأنهم قد يفتحون معبر رفح لخروج الفلسطينيين، لكن “مصر ستغلقه”! وهو اعتراف صريح أن المعبر مفتوح أمام المساعدات الإنسانية، وأن الطرف الذي يمنع الحركة ويعرقل مرورها هو الجانب الإسرائيلي.
هذا التصريح ليس مجرد غباء سياسي، بل شهادة من الخصم المهزوز والمهزوم بأن مصر ثابتة على موقفها، وأنها لن تكون طرفًا في أي مخطط لتهجير الفلسطينيين أو المساس بأمنها القومي. مصر تفتح أبوابها للمساعدات، وتغلقها في وجه أي مؤامرة تستهدف اقتلاع شعب من أرضه. وهنا تتجلى قوة الموقف المصري: حاسم، واضح، لا يعرف المساومة على الثوابت، ويعرف طريقه وكيف يحميه مهما علا ضجيج الأزمات.
وكما كانت مصر واضحة في موقفها من غزة، كانت أيضًا صريحة وحاسمة في ملف سد النهضة. أعلنتها القيادة المصرية مرارًا وتكرارًا: المساس بحقوق مصر المائية خط أحمر، ولن تسمح القاهرة لأي طرف أن يعبث بشريان الحياة الذي قامت عليه حضارتها منذ آلاف السنين. لم تعتمد مصر على لغة التهديد الفارغ أو الشعارات الجوفاء، بل تحركت بخطوات مدروسة: مفاوضات ممتدة، حضور دبلوماسي فاعل في الاتحاد الأفريقي والمحافل الدولية، ثم تعزيز قدراتها الشاملة عسكريًا واقتصاديًا، لتبعث برسالة واضحة: البدائل كلها مطروحة، لكن التفريط غير موجود في قاموس الدولة المصرية.
ولم يقف الدور المصري عند حدود غزة أو مياه النيل، بل امتد إلى ملفات ليبيا والسودان واليمن، حيث وضعت القاهرة خطوطًا حمراء لحماية الأمن القومي العربي والإقليمي، لتؤكد أن مصر لا تحمي نفسها فقط، بل تدافع عن استقرار المنطقة كلها، رافضةً محاولات تفكيك الدول وإشعال الفتن.
ولم تتأخر مصر عن نصرة الأشقاء في مواجهة محاولات ضرب استقرارهم، فكان موقفها داعمًا قويًا لقطر وغيرها من الدول العربية ضد أي ابتزاز أو استهداف خارجي، لتؤكد أن أمن الأمة العربية وحدة واحدة لا يتجزأ.
وفي الداخل، لم تغفل مصر معارك البناء والتنمية، فبينما تواجه المؤامرات في الخارج، كانت تزرع الأمل في الداخل: مشروعات قومية عملاقة، بنية تحتية حديثة، وجيش واقتصاد متطور يضمنان لمصر استقلال القرار الوطني بعيدًا عن التبعية.
بهذا الموقف، أكدت مصر أنها لا تدافع عن حاضرها فقط، بل تحمي مستقبل أجيالها القادمة. فالنيل بالنسبة للمصريين ليس مجرد نهر، بل حياة وهوية ووجود.
“مصر.. لا تعرف الانكسار، لأن لها جيشًا يحمي، وشعبًا لا يعرف إلا الانتصار. ومن يملك قوة الردع يملك قرار الاستقرار.. ومصر بفضل الله تملك الاثنين معًا.”
حفظ الله الوطن، وتحيا مصر بوحدتها دائمًا وأبدًا رغم أنف المفسدين والحاقدين والمتربصين.