بقلم: سيد الأسيوطي
الكاتب والسياسي المصري
منسق ائتلاف «إحنا الشعب» ورئيس منتدى السلام العربي

الزعامة ليست قرارًا يُتخذ، ولا تنظيمًا يُنشأ، ولا مائدة تُدار عليها الصفقات.
الزعامة روح تُولد مع الشعوب العظيمة، وجينات متوارثة في حضارات لم تعرف الانكسار، بل تعلّمت من كل أزمة كيف تُعيد صياغة المجد من جديد.
وهنا، لا يمكن الحديث عن الزعامة دون أن تُذكر مصر، لأنها لم تكتسب ريادتها من موقعٍ جغرافي أو قوةٍ عسكرية تُعدّ الأولى في التاريخ — بل من فطرة القيادة التي وُلدت بها منذ فجر الحضارة.

منذ آلاف السنين، كانت مصر قلب المنطقة وعقلها وضميرها.
إذا اهتزّت مصر، ارتبك الإقليم بأكمله.
وإذا نهضت مصر، انتعشت الأمة العربية بأسرها.
هذه ليست مبالغة وطنية، بل حقيقة سياسية يعرفها الخصم قبل الصديق.
ففي كل لحظة مفصلية تمرّ بها المنطقة، يتجه النظر إلى القاهرة — ليس انتظارًا لتصريح، بل ترقبًا للموقف الذي يُعيد التوازن ويضع النقاط فوق الحروف.

الزعامة لا تُصنع بقرارات دولية، ولا بالقوة الغاشمة والطموحات الزائفة.
بل تُفرض بشرعية التاريخ والمبدأ والموقف، وهذه هي الزعامة المصرية.
ولأن الزعامة لا تُمنح بل تُولد، فإن مصر لا تتبع أحدًا، ولا تسعى للزعامة، لأنها الزعامة ذاتها.
من رحمها خرجت أول دولة في التاريخ وأول جيش نظامي عرفته البشرية، ومن نيلها تعلمت الأمم معنى الاستقرار والعطاء.
حتى عندما تمر مصر بتحديات داخلية، يبقى دورها الإقليمي ثابتًا،
فهي القوة الهادئة التي توازن، والعقل الرشيد الذي يُصلح، واليد التي تمتد دائمًا للسلام دون ضعف، وللحق دون تردد.

اليوم، في عالمٍ تتغير فيه التحالفات وتتشابك المصالح، تبقى مصر رقمًا ثابتًا في معادلةٍ مضطربة.
ليست بحاجة لتُعلن زعامتها، لأن التاريخ أعلنها منذ آلاف السنين.
زعامة مصر ليست مشروعًا سياسيًا، بل قدرٌ حضاري وإنساني،
ولهذا تبقى القاهرة بوصلة العرب، ومركز القرار، وصوت الحكمة حين يعلو ضجيج السلاح والفتن.
فما إن تتكلم مصر، حتى تتضح الرؤية وتستقيم البوصلة، وتعود الموازين إلى نصابها.

وفي اللحظات التي يتأرجح فيها الإقليم بين النزاعات والأزمات — من السودان إلى فلسطين، ومن ليبيا إلى اليمن — تثبت مصر دائمًا أنها الركيزة التي تحفظ توازن العرب،
فهي من تُبادر إلى الحل لا إلى الصراع، وإلى بناء الجسور لا هدمها،
هي من تحمي الأمن القومي العربي، وتُدير الخلافات بحكمةٍ ومسؤوليةٍ لا تعرف المزايدة ولا الخداع.
وحين تتحدث القاهرة، يصمت الضجيج وتُستعاد البوصلة.

وهنا، رسالة صريحة إلى المراهقين السياسيين والباحثين عن زعامة زائفة:
قفوا مكانكم…
فليس كل من ارتدى عباءة القيادة صار زعيمًا،
وليس كل من امتلك المال أو الإعلام امتلك التاريخ والمكانة.
الزعامة لا تُستعار ولا تُزوّر، ومصر لم تطلبها يومًا لأنها خُلقت بها.
هي القائد والمعلم، شاء من شاء وأبى من أبى.
ومن يحاول تجاوزها… سيكتشف أن التاريخ لا يعترف بالمغامرين، بل بالعظماء الذين تصنعهم المواقف لا الأضواء.

مصر لا تبحث عن الزعامة… لأنها الزعامة ذاتها.
زعيمة بالفطرة، وصاحبة رسالة خالدة،
تعلو حين تنحني الهامات، وتبقى حين تتبدل الموازين،

تلك هي مصر .. يا سادة .. التي إذا قالت فعلت، وإذا وعدت أوفت، وإذا قادت أنقذت.
حفظ الله الوطن وتحيا مصر بوحدتها وعزتها دائمًا وأبدًا.

Loading