كتب _ عبدالرحمن شاهين

بعد سنوات من انتظار المتابعين والمحبين له عاد المخرج العالمي جيمس كاميرون بفيلمه Avatar: the way of water” “، والذي صدر الجزء الأول منه عام 2009، من تأليف جيمس كاميرون وجوش فريدمان وأماندا سيلفر وريك جافا، وبلغت ميزانيته 250 مليون دولار.

يحاول كل من جيك سولي وعائلته أن يقاوما الغزو المتكرر من “أهل السماء”/ البشر، ولكن يتحتم عليهما الفرار بعيدا، ويذهبا إلى منطقة أخرى حيث يعيش أحد الشعوب المرتبطة حياتهم بالماء وتحاول العائلة التأقلم مع ذلك ولكن تستمر مطاردة البشر لهم وخاصة القائد مايلز –الذي يتحول من صورته البشرية إلى أفاتار- محاولا القضاء عليهم انتقاما منهم ولتحقيق أهداف جيشه في السيطرة على الكوكب ككل لتأهيله لكي يصبح مكانا للسكان من البشر بعد حالة الافتقار التي يحياها كوكب الأرض، وذلك ما تقوله أحد الشخصيات نصا في حديثها “إن كوكب الأرض يتلاشى”، بعد أن كان هدفهم البحث عن المعادن.

ثلاث ساعات وبضع دقائق تبقى في السينما جالسا أمام قصة تنتمي وفق تصنيفات الأفلام إلى الخيال العلمي، تعتمد بشكل مباشر على هجوم البشر على كوكب آخر لأهداف استعمارية تفيد مصالح هؤلاء، آلات خيالية، كائنات أنت تعلم تماما أنها صنعت بإتقان نتيجة تقدم تقنيات الجرافيك في عالم السينما الهليوودية، ولكن هل حدث لك مثلي وفكرت في قمة المناخ أو بشكل أعم المناخ على كوكب الأرض أثناء المشاهدة؟

أفاتار.. كيف تحطم الطبيعة لأجل أغراض مادية

يقدم جناحي العمل الإبداعي السينمائي (الصورة والحوار ) رموزا أو إشارات مختلفة تكون مترابطة مع الحدث الدرامي وتدعمه وتعمل على تقدم الأحداث نحو التعقيد أو الذروة حتى نصل إلى النهاية وحالة الانكشاف أو اكتمال الرؤية ككل، وخلال هذا يبث المبدع (المؤلف والمخرج) باستخدام أدوات اللغة السينمائية شفراته الخاصة التي تدعم أفكاره التي يريد طرحها.

يركز الفيلم بصريا بشكل كبير على إبراز مشاهد الدمار والموت التي تصيب كل ما هو أخضر على كوكب باندورا، بالإضافة إلى مشاهد قتل الحيوانات بصورة بشعة، لم يكتف العمل بعرض الفكرة في سياق حواري عابر، وإنما دعمها بمشاهد مفعمة بالتقنيات الجرافيكية المتميزة بالطبع والمتطورة للغاية، نحن نشاهد مراحل قتل إحدى الكائنات البحرية بصورة دقيقة، بداية من طريقة الصيد ثم الدخول إلى بداية جوف الكائن البحري المنتمي للكوكب المستباح ثم سحب المادة التي أدت لكل هذه المطاردة، ويقول أحد الشخصيات في الفيلم : “إنها تقدر بحوالي 8 ملايين دولار” والسبب أنها تساعد البشر على مقاومة الشيخوخة، ليكون رد أحد المنتمين للكوكب والأسير لدى جيش البشر “تقضون عليه بالكامل لأجل هذه المادة وتلقون الباقي إلى البحر” مندهشا مما شاهد وهم يحفرون بآلاتهم داخل عقل الكائن ليستخرجوا المادة.

كما أن أسهل ما يفعله هؤلاء البشر هو قتل الحيوانات والتخلص منها وحرق وتدمير كل شيء بسهولة، عندما هاجموا إحدى الجزر حاولوا تهديد سكانها بقتل حيوانتهم البحرية وإشعال النيران في عششهم الخشبية والأشجار على الجزيرة، وفي مشهد آخر في بداية الأحداث تتحدث قائدة الجيش إلى مايلز وهي تتجول بين عن الأبنية والاستعدادات التي يقومون بها لتأهيل الكوكب كمقر جديد للبشر وتخبره أنها تريد السيطرة التامة على السكان، ونرى الأبنية والمواد المتطورة المعدة للبناء تزداد وتتكاثر في مقابل مشاهد أخرى لاحتراق الأشجار وكل ما له علاقة بالطبيعة.

كوكبا باندورا والأرض.. هل يوجد تشابه؟

كل هذه المشاهد تجعل متلقي الفيلم يربطها بما حل على كوكب الأرض نتيجة لتدخلات الإنسان في البيئة وما نتج عنه من أضرار بيئية جسيمة يحاولون الآن تداركها من خلال القمم المناخية وأيضا التحركات من النشطاء والمتخصصين البيئين.

ويرتبط التصور الذي يجمع بين كوكب الأرض وباندورا بما يسمى التلقي لدى المتفرج، التابع لنظرية التلقي، وهي التي تدرس العلاقة بين المُشاهد والعمل الإبداعي.

والتفسير النابع من الرموز التي ارتبطت بالطبيعة في الفيلم تدفع المتفرج ربما لإثارة مشاعره، وإثارة المشاعر ليست مجرد نتاج ثانوي لتجربة مشاهدة الفيلم ولكنها وثيقة الصلة الأسلوبية بالأفلام، وتدفعه للتفكير حتى وإن كان الفيلم مصنف كونه خيالا علميا إلا أنه يتلمس واقعه فيه وربما يتوحد معه.

تعتمد أفلام الخيال العلمي على عنصر الإبهار بشكل أساسي من حيث الصورة ولكن أيضا القصة هي الأساس في النهاية، وهي التي تخلق أهمية لهذا العمل أو تجعله لحظات عابرة ولا يتذكره الجمهور، ومن مهارات كاميرون أنه استطاع خلق حالة قوية من الحب مع فيلمه ولم يجعله يقف كونه فيلم مبهرا بصريا فقط: “منذ أن قام أرسطو بتوصيف التراجيديا بأنها أحداث درامية تثير الخوف والشفقة نشأت صلة متينة بين المشاعر والقصة ولأن الفيلم الروائي هو أكثر من مجرد سلسلة عشوائية من الصور المثيرة فإن طاقته الشعورية لا تستند فقط إلى الإدراك البصري بل تنهض على الخصائص الأساسية للقصة”، وفق كتاب “السينما وعلم النفس”.

ففي المشهد المبهر بصريا قتل فريق اصطياد الكائنات البحرية الضخمة لاستخلاص المادة من عقلها، ربما يمر أمام عقلك الإحصائيات التي تشير إلى معدل نفوق الحيوانات البحرية، “في حين أنه من الصعب معرفة عدد الحيوانات البحرية التي نفقت بالضبط بسبب التلوث البلاستيكي، فقد تشير التقديرات إلى أن التلوث البلاستيكي يقتل 100000 من الثدييات البحرية كل عام، ومن المعروف أن 81 نوعًا من أصل 123 نوعًا من الثدييات البحرية قد أكلت البلاستيك أو تعثرت في البلاستيك” بحسب الموقع الرسمي للصندوق العالمي للطبيعة WWF.

و”تشير الأبحاث إلى أن كل طرق الاستشعار هذه يضعفها النشاط البشري، بالنسبة للحيتان والدلافين وخنازير البحر، يؤثر التلوث الكيميائي والصوتي على الطريقة التي يمكن أن تعمل بها أجسامهم بعدة طرق، تكون بعض التأثيرات فورية وحادة في حين أن البعض الآخر يكون مزمنًا وطويل الأمد. إلى جانب التأثير على حواسهم وقدرتهم على التواصل، يمكن للتلوث البحري أن يضعف الخصوبة والجهاز المناعي لديهم، وفقًا لأحد الأبحاث قد يتسبب التعدين في أعماق البحار أيضًا في حدوث اضطرابات شديدة، قدر الباحثون البحريون أن الضوضاء الصادرة من لغم واحد فقط في قاع البحر يمكن أن تنتقل لمسافة 500 كيلومتر (311 ميلاً) عبر عمود الماء في الظروف الجوية العادية وفي الأماكن التي قد تعمل فيها مناجم متعددة يمكن أن يكون التأثير التراكمي للتلوث الصوتي أكبر بكثير، بحسب تقرير في الموقع الرسمي لبي بي سي.

أما على مستوى المساحات الخضراء قد أشار ملخص بحثي نشر في منصة ذا كونفيرزيشن أنه في البلدان الاستوائية مثل إندونيسيا والبرازيل والكونغو، قد تكون إزالة الغابات السريعة مسؤولة عن ما يصل إلى 75% من الاحترار السطحي المرصود بين عامي 1950 و2010، كما أنه يعيش أكثر من 40% من سكان العالم في المناطق المدارية، وفي ظل تغير المناخ قد يدفعهم ارتفاع درجة الحرارة والرطوبة إلى ظروف مميتة، لأن ذلك يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب إلى ما بعد الحد المتفق عليه دوليًا وهو 1.5 ℃، لأن الغابات تخزن كميات هائلة من الكربون تؤدي إزالتها إلى إطلاق هذا الكربون، حوالي 5.2 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا ،إلى الغلاف الجوي.

Loading

By عبد الرحمن شاهين

مدير الموقع الإلكتروني لجريدة الأوسط العالمية نيوز مقدم برنامج اِلإشارة خضراء على راديو عبش حياتك المنسق الإعلامي للتعليم الفني