كتب محمد أكسم

يعد انتصار أكتوبر المجيد صفحة مضيئة في تاريخ الوطن، ينبغي أن تبقى حكاية تروى ورسالة تنقل إلى الأجيال الجديدة لغرس معنى الانتماء والفخر والقدرة على تحقيق المستحيل, فتعريف الأطفال بهذا النصر العظيم يمنحهم الثقة في وطنهم وجيشهم، ويعلمهم أن حب مصر ليس بالكلمات وحدها، بل بالعمل والإصرار والعزيمة.
ومن هنا تأتي أهمية الأعمال الفنية الموجهة للطفل، التي تحول التاريخ إلى تجربة حية يشعر بها الصغار ويفهمون من خلالها أن كل جيل له معركته ومسؤوليته في بناء المستقبل.
وفي إطار متصل وفى أجواء تفيض بالفخر والاعتزاز الوطني، يواصل المسرح القومي للطفل تألقه من خلال العرض المسرحي المميز “عبور وانتصار”، الذي يستعيد أمجاد وبطولات حرب أكتوبر المجيدة في عمل فني ثري يجمع بين الترفيه والتثقيف، وبين الدراما والغناء والاستعراض في لوحة مسرحية متكاملة تجذب الكبار قبل الصغار.
وذلك تحت إدارة الفنانة القديرة إيناس نور، مديرة فرقة المسرح القومي للأطفال، جاء العرض هذا العام بروح جديدة ورؤية متطورة تؤكد أن المسرح ما زال أحد أهم أدوات بناء الوعي وترسيخ قيم الانتماء.
إيناس نور، التي تمتلك رؤية فنية عميقة ووعياً برسالة الفن الهادف، استطاعت أن تقود فريق العمل بحكمة واحتراف، مقدمة نموذجا مشرفا للقيادة الفنية التي توازن بين المتعة البصرية والرسالة التربوية.
وقد أشاد الحضور بدورها الكبير في دعم الفنانين الشباب وإتاحة الفرصة أمامهم للتعبير عن طاقاتهم، مما أضفى على العرض روحا حية نابضة بالحماس والصدق الفني.
كما تؤكد “إيناس” أن عرض “عبور وانتصار” يأتي احتفاء بذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة، وغايته غرس روح الانتماء في نفوس الأطفال من خلال تجسيد بطولات وتضحيات القوات المسلحة المصرية، موضحة أن المسرحية تقدم محتواها في إطار درامي غنائي استعراضي يوازن بين التثقيف والمتعة، مما يجعلها مناسبة لكل أفراد الأسرة.
العرض من إنتاج البيت الفني للمسرح، تأليف وإخراج محمد الخولي، وأشعار إبراهيم الرفاعي، ويشارك فيه كوكبة من نجوم المسرح القومي للأطفال الذين قدّموا أداءً راقياً استحق إعجاب الجمهور. فقد تميز كل ممثل بحضوره الطاغي وتفاعله الصادق مع الشخصية التي يجسدها، ما جعل الجمهور يعيش لحظات البطولة والانتصار وكأنها تتجدد أمامه على الخشبة.
أداء متميز
برز في العرض الأداء اللافت للفنانة شيماء حسن التي قدمت دورها بإحساس صادق وأداء تمثيلي متقن، استطاعت من خلاله أن تجمع بين العفوية والعمق في التعبير عن مشاعر الوطنية والفخر، فحصدت إعجاب الصغار والكبار على السواء. كما تألق جميع الفنانين المشاركين دون استثناء، ومنهم منصور عبد القادر، أحمد أبو عميرة، محمد خليل، أيمن بشاي، محمد عبد الوهاب، عصام مصطفى، علاء النقيب، هاني عبد الهادي، خالد العيسوي، حسام حمدي، إيمان سالم، محمد عبد الفتاح، سكر شريف، محمود فراج، يوسف وليد، حيث شكلوا معاً لوحة جماعية متناغمة تفيض بالحيوية والصدق.
وتكتمل عناصر الإبداع بفضل موسيقى وألحان وليد خلف التي أضافت روحاً ملحمية مؤثرة، وديكور وملابس محمد هاشم التي جسدت أجواء المعركة والانتصار ببراعة، واستعراضات أشرف فؤاد التي منحت العرض إيقاعًا بصريًا متجدداً، إلى جانب المادة الفيلمية التي أعدها مينا إبراهيم، وتنفيذ الديكور والدعاية بإبداع وليد فوقي، ومتابعة دقيقة من المخرج المنفذ أحمد شحاتة، في ظل رؤية إخراجية متميزة للكاتب والمخرج محمد الخولي الذي نجح في المزج بين الواقعية والرمزية ليقّم عملًا وطنيًا مؤثرًا وقادرًا على الوصول إلى وجدان الجمهور.
تفاعل جماهيري كبير وإشادة بالعرض
شهدت قاعة المسرح القومي للطفل تفاعلاً كبيراً من الجمهور الذي ملأ المقاعد بحماسٍ وفرح، حيث استقبل الحضور العرض بعاصفة من التصفيق والبهجة منذ اللحظات الأولى وحتى إسدال الستار, وقد عبر أولياء الأمور عن إعجابهم بالمستوى الفني الرفيع للمسرحية، وبالرسالة الوطنية الهادفة التي تجمع بين المتعة والتثقيف في آن واحد.
أما الأطفال، فقد بدت على وجوههم علامات الدهشة والانبهار بالمشاهد الاستعراضية والأغاني الحماسية، وتفاعلوا مع الشخصيات بحب واندماج، مرددين الأغاني الوطنية في نهاية العرض.
رسالة وطنية تصل إلى القلوب
لقد استطاع عرض “عبور وانتصار” أن يؤكد أن المسرح القومي للطفل لا يزال منبراً فاعلًا للتنوير وبناء الوعي الوطني، وأن الفن حين يكون صادقًا في رسالته، يمكنه أن يغرس في الأجيال الجديدة حب الوطن والإيمان بقيم التضحية والانتصار.
إنه عرض يليق بذكرى أكتوبر، ويليق باسم المسرح القومي الذي يقدم دوماً نموذجاً للفن الراقي والرسالة النبيلة.

Loading