التنفيذ العشوائي وعدم الصيانة أهم الأسباب
جهود حكومية مكثفة لحل المشكلة وتوفير سكن آمن
“سكن لكل المصريين”.. مبادرة رئاسية تواجه أزمة السكن وانهيار المباني
مطالب بتشديد الرقابة وتطبيق القانون للحد من انهيارات العقارات
المركز المصري للحق في السكن: 1.4 مليون عقار آيل للسقوط على مستوى الجمهورية
أصبحت حوادث انهيار العقارات وسقوط المنازل المتكررة في عدة مناطق بالمحافظات كابوسًا مزعجًا يؤرق الدولة بمختلف مؤسساتها وأجهزتها، خاصة مع تزايد تلك الحوادث في الفترة الأخيرة، وأثارت هذه الانهيارات العديد من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول أسبابها، في ظل الجهود الحكومية المكثفة لمواجهة الأزمة، ووضع حلول فعالة لها من خلال فرض شروط صارمة للحد من المخالفات.
في الوقت نفسه، تعمل الدولة على توفير بدائل سكنية آمنة في المدن الجديدة، في إطار مساعيها لتخفيف الضغط عن المناطق المتضررة والحد من تكرار تلك الحوادث.
وخلال الأسبوع المنقضي سجلت دفاتر الحماية المدنية عدة وقائع لانهيار منازل وعقارات مختلفة، وقعت في أكثر من محافظة، وخلال هذا التقرير نستشهد بواقعتين لانهيار عقارين، بمحافظة القاهرة، خلفا العديد من الضحايا والمصابين.
انهيار عقار الزيتون
انهار عقار بشارع محمود الديب بدائرة قسم الزيتون بمحافظة القاهرة، ودلت التحريات أن العقار مكون من 4 طوابق ومبنى على مساحة 120 مترا، ويقطن به أسرتان، ونجى 7 من السكان وتوفى شخص واحد فقط، وتابعت التحريات ان المتوفى كان يقف فى شرفة العقار وانهار به وتوفى على الفور.
وقال شهود العيان أن الضحية الجار “ناصر” الرجل الأربعينى، الذي كان يطل من شرفته، ورفض الذهاب مع أسرته للمصيف بالإسكندرية كأنه في انتظار الموت، لقى مصرعه.
وذكر الجيران أن الضحية أب لفتاة وحيدة، وحضر شقيقه معتز وبدموع منهمرة حزنًا على شقيقه قال: “إزاي هقول لبنته الوحيدة اللي عندها 12 سنة إن أبوها وقع عليه البيت ومات الموتة البشعة دي” .
وكشف الدكتور إبراهيم صابر، محافظ القاهرة، تفاصيل انهيار عقار الزيتون؛ موضحًا أن العقار جرى بناؤه منذ سنة 1930 وسبب الانهيار يرجع إلى المدة الزمنية التي مرّ عليها عمر تأسيس العقار التي تسببت في تصدع وشروخ في أساسيات العقار.
انهيار عقار أرض الجولف
وخلال نفس الأسبوع انهار بالكامل العقار رقم 30 المتواجد في شارع محمد عبدالهادي متفرع من شارع النزهة بأرض الجولف دائرة حي شرق مدينة نصر.
وأسفر الحادث عن سقوط ضحايا، بينهم جثتان تم انتشالهما من تحت الأنقاض هما: “ايفيت نديم محروس ٦٤ سنة، وفتاة إفريقية من دولة غينيا تدعى مريم عمرها 24 سنة” تم إيداعهما ثلاجة مستشفى منشية البكري.
أما المصابين فهم: “شيرين يوسف 59 سنة، وإيمان حسان 64 سنة، ومحمد بشار 47 سنة، وأيمن محمد 62 سنة، ولواء شرطة وائل صبيح 53 سنة”.
وكشفت تحقيقات النيابة وفق أقوال شهود العيان، بأن ابن مالكة العقار المتوفية، كان يجري عمليات تشطيبات في الشقة المتواجدة بالطابق الثاني لتحويلها إلى مركز طبي وهو السبب الرئيسي لانهيار العقار.
ومعه كشفت المحافظة أن العقار صادر له تراخيص عام 1972 بـ4 طوابق ثم زيادة الطابق الخامس عام 1978 وأنه يرجح أن يكون سبب الانهيار عمليات تشطيب في شقة سكنية بالطابق الاول.
كما تسبب الانهيار فى تدمير 7 سيارات كانوا أسفل العقار وتدمير كامل بالشقق التى كانت تتواجد بالعقار، والعقار المنهار مكون من أرضى و٦ أدوار متكررة، وقامت شركات الغاز والكهرباء والمياه بفصل المرافق عن العقار.
لجان لحصر المباني الآيلة للسقوط
في هذا السياق؛ تقدم عدد من البرلمانيين بطلبات إحاطة لرئيس مجلس النواب، ومذكرات إلى وزير التنمية المحلية ورئيس الوزراء، طالبوا فيها بتشكيل لجان في كل محافظة لحصر المباني المخالفة والآيلة للسقوط، والتي صدرت بحقها قرارات ترميم أو إزالة، والعمل على تنفيذ هذه القرارات بشكل فوري.
كما شددوا على ضرورة تحديد الجهة المسؤولة عن تأخير تنفيذ تلك القرارات، ووضع إجراءات تلزمها بالتنفيذ الفوري، حفاظًا على أرواح المواطنين ومنع وقوع أي حوادث جديدة، إلى جانب ذلك، طالب البرلمانيون بتشكيل لجان لمعاينة المناطق المحصورة للتأكد من سلامة المباني، وإخلاء العقارات المهددة بالانهيار، مع تعويض أصحابها بمساكن بديلة.
1.4 مليون عقار آيل للسقوط
وفي هذا الصدد، أشارت دراسة للمركز المصري للحق في السكن إلى وجود نحو 1.4 مليون عقار آيل للسقوط على مستوى الجمهورية؛ مؤكدة أن محافظة القاهرة بها أعلى نسبة عقارات صدرت لها قرارات إزالة
مناطق عشوائية
أكد خبير قانوني أن أهم الأسباب الرئيسية والشائعة هو أن معظم المباني المهددة بالانهيار تتركز في المناطق العشوائية، حيث يتم بناؤها بشكل غير منظم ودون الالتزام بالمواصفات الفنية.
تنفيذ عشوائي
العديد من هذه الإنشاءات ينفذها مقاولون غير مؤهلين، لا يعيرون اهتمامًا لعمق الحفر اللازم للأساسات، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى انهيار المباني المجاورة بسبب الحفر العشوائي.
وأشار الخبير القانوني إلى أن تلك المباني تُنشأ دون اتباع أسس علمية سليمة وبتنفيذ عشوائي، بالإضافة إلى ذلك، فإن إهمال صيانة دورات المياه ومواسير الصرف الصحي قد يؤدي أيضًا إلى انهيار العقار.
حيث توصيل المياه في هذه العقارات لا يتم بشكل قانوني، لأن شركة المياه لا توصل للعقار المخالف، مما يدفع أصحابها إلى توظيف “سباك” يقوم بعمل وصلات غير قانونية من الخط الرئيسي، مما يسبب هبوطًا أرضيًا نتيجة لعدم درايته بالتوصيلات الفنية المطلوبة.
عدم الالتزام بالمواصفات الإنشائية
أيضا من أهم أسباب تلك المشكلة هو عدم التزام بعض المقاولين بالمواصفات الإنشائية الدقيقة، وهو الأمر الذي يسهم أيضًا في حدوث هذه الانهيارات، حيث يلجأ العديد من المقاولين وأصحاب الأبراج السكنية إلى إضافة وحدات سكنية تتجاوز الارتفاعات المصرح بها.
وتجاهلوا قيود الارتفاع المقررة، بعدما أصبح التعامل مع بناء العقارات موجهًا نحو تحقيق الربح فقط، دون مراعاة لمعايير الجودة والإتقان. بالإضافة إلى ذلك، تُهمل صيانة العقارات القديمة، مما يزيد من مخاطر انهيارها.
قرارات الإزالة
عدم الالتزام بتنفيذ قرارات هدم المنازل الخطرة يُعد من أكبر أسباب تفاقم الأزمة، وتزداد المشكلة تعقيدًا عندما يرفض المنتفع أو المالك إخلاء العقار، نظرًا لأن تلك العقارات غالبًا ما تكون بإيجارات منخفضة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تنفيذ قرارات الإزالة في بعض الأحيان تتأخر بسبب الأبعاد القضائية وانتظار أحكام الطعون، إلى جانب انشغال الجهات الأمنية بكم الإزالات الكبيرة المطلوبة، وضرورة انتظار الدراسات الأمنية، مما يجعل هذه الإجراءات تستغرق وقتًا طويلًا.
الإصلاحات العشوائية
يعد التعامل العشوائي مع المباني والإنشاءات أمر خطير للغاية، فقد يقوم بعض السكان بهدم بعض الجدران دون وعي الامر الذي قد يؤدي إلى تصدع العقار، كما أن هدم مبنى مجاور قد يتسبب في تشقق المباني المجاورة له.
بالإضافة إلى ذلك، يلجأ سكان المناطق الفقيرة إلى التلاعب في أساسات العقارات لتجنب التكلفة العالية، مما يزيد من خطورة انهيارها، فضلًا عن قيام الساكن بالعقار إلى إجراء بعض الإصلاحات أو التشطيبات بشكل خاطئ قد تؤدي إلى حدوث كوارث.
صيانة دورية
وذكر الخبير القانوني أن أحد الأسباب الرئيسية هو عدم قيام اتحادات ملاك العقارات بإجراء الصيانة الدورية اللازمة، مما يؤدي إلى تآكل الأجزاء الخرسانية بمرور الوقت ويزيد من خطر انهيار المباني، مهددًا حياة المواطنين بشكل خطير.
بالإضافة إلى رفض بعص ملاك العقارات بنظام الإيجار القديم إخلاء المباني المهددة بالسقوط رغم صدور قرارات بالإخلاء، مما يفاقم الأزمة.
قانون الرقابة على العقارات
وشدد الخبير القانوني على ضرورة إجراء صيانة دورية للمباني بشكل مستمر، وكذلك التزام ملاك الإيجار القديم بتنفيذ قرارات إخلاء العقارات المتهالكة والآيلة للسقوط.
وقد آن الأوان لإجراء تعديل تشريعي على قانون اتحاد الشاغلين المعني بتشكيل اتحاد ملاك العقارات المنوط بهم إجراء الصيانة الدورية للعقارات سواء بأنفسهم أو من خلال الاستعانة بمتخصصين، علاوة على سرعة إصدار قانون الإدارة المحلية لإجراء الرقابة على العقارات التي يتم بنائها، لافتاً إلى أن كثيراً من العقارات المخالفة تم بناؤها في غيبة المحليات.
مواد مغشوشة
وفي ضوء استعراضنا لأسباب انهيارات العقارات، فإن استخدام مواد بناء غير مطابقة للمواصفات والتلاعب في جودتها، تعتبر من أهم الأسباب، فعلى سبيل المثال مادة الأسمنت تنتهى صلاحيته بعد ثلاثة أسابيع من صناعته ويتحلل ليصبح غير صالح للاستخدام، وكذلك عنصر الحديد يتعرض للصدأ عند تخزينه لفترة طويلة، ما يؤدي إلى تكوين طبقة عازلة تسبب في ضعف المباني وانهيارها.
أدوار إضافية
بالإضافة إلى ذلك، يلجأ بعض المخالفين إلى تعلية الأدوار بشكل غير قانوني، مما يزيد الضغط على أساسات المباني ويؤدي إلى سقوطها مع مرور الوقت، فهناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق المقاولين والمهندسين الاستشاريين.
إجراءات رادعة
وفي هذا الامر؛ بات مهمًا بأن تكون هناك رقابة صارمة من الأحياء والأجهزة المعنية لمنع تفاقم هذه الأزمة، وضع تشريع قانوني جديد يفرض عقوبات بالسجن على المقاولين والمهندسين الذين ينفذون أي إنشاءات مخالفة، وكذلك حبس مالك العقار المخالف نفسه.
واختتم الخبير القانوني حديثه، أنه لابد من تفعيل دور أجهزة المدينة والمحليات في حالة حدوث أي مخالفة من جانب العقارات القديمة بمنع جميع المرافق الخاصة بها حتى تتم التصالح في المخالفة ودفع الغرامة، كي لا تتداعى الازمة مما يؤثر على صحة وسلامة العقار.
أما بالنسبة للعقارات الجديدة التي تخضع لقانون البناء الموحد، لابد من التأكد من سلامة الإنشاءات والمراقبة من جانب جهاز المدينة لأن المخالفة تؤثر على صحة وسلامة المجتمع ككل وليس للأفراد فقط.
وفي حالة حدوث أي مخالفات لابد من فتح تحقيقات موسعة حول هذا الشأن ومرتكب المخالفة والعقاب بالعقوبة التي يستحقها بشأن وفقًا للقانون والتشريعات.
حلول حكومية تجاه الأزمة
مما لاشك فيه فقد عاصرنـا في الفترة الأخيرة، جهود كبيرة مبذولة من الحكومة في إنشاء عقارات بالمدن الجديدة، مع مراعاة معايير البناء وشروط السلامة لضمان توفير مساكن آمنة تلبي احتياجات مختلف شرائح المجتمع.
وتأتي هذه الجهود في إطار مبادرة “سكن لكل المصريين” التي أطلقتها القيادة السياسية، حيث تم الشروع في بناء آلاف الوحدات السكنية بتسهيلات مالية تمتد على مدار ثلاثين عامًا، لتناسب ذوي الدخل المنخفض والمتوسط.
هذه الخطوة تمثل حلًا محتملاً لأزمة الإسكان وارتفاع تكاليفه، كما أنها قد تسهم في تقليل الاعتماد على العقارات القديمة والمتهالكة، التي تشكل خطرًا على حياة السكان، وذلك على المدى البعيد.
قانون البناء الموحد
وقد أصدرت الجهات الحكومية مؤخرا قانون البناء الموحد، الذي يضع معايير جديدة للبناء تراعي النواحي الفنية في المباني وتضمن سلامتها، كما يضع قواعد للتعامل مع العيوب الهندسية في بعض المباني القائمة.