ما بين أواخر القرن 19 ومطلع القرن 20، سجلت أوروبا ظهور العديد من المقترحات لنقل اليهود المقيمين بالقارة العجوز وتحويلهم نحو مناطق أخرى بالقارة الإفريقية.
خلال ثلاثينيات القرن الماضي، سجلت خطة نقل يهود أوروبا نحو مدغشقر ظهورها من جديد. فبتلك الفترة، تحدثت بولندا عن إمكانية نقل ملايين اليهود نحو هذه الجزيرة الواقعة بالجنوب الشرقي لإفريقيا.
أوروبا كانت تضع اللوم على اليهود فيما تقاسيه من أزمات سياسية واقتصادية في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، كما أنها كانت قلقة من تزايد اعداد اليهود في القارة الأوروبية، حيث ارتفع تعدادهم على سبيل المثال في بولندا بين عامي 1921 و1931 من 2.85 إلى 3.31 مليون شخص.
الأوروبيون وفي طليعتهم بولندا، أرادوا التخلص من اليهود وترحيلهم بعيدا. في هذا السياق صاغ رئيس الوزراء البولندي فيليسيان سلافوج سكلادكوفسكي في عام 1936، أهداف حكومته فيما يتعلق بالسكان اليهود على النحو التالي: “الحرب الاقتصادية ضد اليهود بكل الوسائل، ولكن دون استخدام القوة”.
بولندا توجهت إلى أوروبا طلبا للمساعدة بهذا الشأن، وعرضت فرنسا خيار جزيرة مدغشقر، التي كانت ضمن مستعمراتها، وعدّت باريس المشروع، فكرة مشتركة فرنسية بولندية، وبدأت الحكومة الفرنسية مفاوضات في مسعى لنقل ملكية مدغشقر إلى بولندا، تمهيدا لتنفيذ المشروع.
اللافت أن فكرة توطين اليهود في مدغشقر ظهرت في وقت سابق لوصول النازيين إلى السلطة في ألمانيا، إذ أن الباحث والفيلسوف بول أنطون بوتيشر، وكان كارها لليهود اقترح في عام 1878 إعداد خطة لتوطين جميع اليهود الأوروبيين في هذه الجزيرة الإفريقية النائية.
في ذلك الوقت كانت الإمبراطورية الألمانية قد أقامت مستعمرات لها في شرق إفريقيا على أراضي تنزانيا الجالية وبوروندي ورواندا، وسعت في ذلك الوقت إلى توسيع مستعمراتها الإفريقية لتشمل جزر المحيط الهادي. اصطدمت المصالح الألمانية بالفرنسية في المنطقة، وسارعت القوات الفرنسية في عام 1883 إلى غزو مدغشقر. تم احتلال الجزيرة في عام 1885، وأصبحت مكانا محتملا لترحيل اليهود الأوروبيين، وكان يفترض أن يتم توطين حوالي نصف مليون يهودي في الجزيرة سنويا.
بعد احتلال ألمانيا النازية لفرنسا في عام 1940، تم إحياء الفكرة من جديد، واقترح رئس القسم اليهودي بوزارة الخارجية الألمانية، فرانز راديماخر، إجبار فرنسا على تسليم مدغشقر إلى ألمانيا، بهدف إقامة قاعدة بحرية هناك، إضافة إلى “محمية يهودية”، على أن يتم تغطية تكاليف تلك الهجرة إلى مدغشقر بضمانة الممتلكات اليهودية التي صادرها النازيون.
وفي كتابه المعروف بـ “الكتابات الألمانية” (Deutsche Schriften)، عرض المستشرق الألماني بول دو لاغارد (Paul de Lagarde) فكرة نقل اليهود نحو مدغشقر.
فكرة حل “المسألة اليهودية” في أوروبا عن طريق “التخلص” من اليهود الأوروبيين بإعادة توطينهم في مدغشقر كانت بولندا أول من طرحها بشكل عملي، وكان ذلك في عام 1937.
بولندا كانت أرسلت في عام 1937، لجنة إلى مدغشقر لدراسة مدى جدوى إعادة توطين اليهود في الجزيرة، وقد توصل أعضاء هذه اللجنة إلى استنتاجات مختلفة.
واقترح هيرمان غورينغ، مؤسس الشرطة السرية الألمانية “الغيستابو”، وقائد سلاح الطيران الألماني النازي خلال الحرب العالمية الثانية في 12 فبراير 1938 خطة لتوطين اليهود في مدغشقر.
المشروع كان يستهدف ترحيل اليهود البولنديين أولا إلى مدغشقر وتوطينهم في هذه الجزيرة النائية، وبعد ذلك يتم توطين اليهود الألمان وغيرهم من يهود أوروبا.
وفي مطلع حزيران/يونيو 1940، عرض الدبلوماسي والمسؤول بوزارة الخارجية الألمانية فرانز راديماخر (Franz Rademacher) فكرة نقل يهود أوروبا لمدغشقر التي مثلت حينها مستعمرة فرنسية بجنوب شرقي إفريقيا. وقد جاء اقتراح راديماخر حينها قبل فترة وجيزة من سقوط فرنسا بقبضة الألمان الذين لم يترددوا في عبور غابات الأردين (Ardennes) ودخول الأراضي الفرنسية في خضم الحرب العالمية الثانية.
وبدعم من أدولف هتلر، أصدر المسؤول بفرق الأس أس (SS) أدولف آيخمان (Adolf Eichmann) منتصف آب/أغسطس 1940 تقريرا (Madagaskar Projekt) أكد من خلاله على إمكانية نقل مليون يهودي سنويا، على متن حوالي 120 سفينة تجارية، نحو مدغشقر على مدار 4 سنوات. من جهة ثانية، تحدث آيخمان على ضرورة تحويل مدغشقر لدولة حليفة للألمان وإرساء نظام أمني مشدد بها بقيادة فرق الأس أس لمراقبة اليهود وتحركاتهم. وبتقاريره، أكد آيخمان أن النسبة الأكبر من هؤلاء اليهود سيموتون بالسنوات القليلة التالية بسبب الظروف القاسية بجزيرة مدغشقر. وإضافة لتنصيب حاكم عام ألماني تابع للأس أس، حث آيخمان على إنشاء بنك أوروبي بمدغشقر لمراقبة ثروات اليهود وإنهاء مشاركتهم بالإقتصاد العالمي.
بسبب المعارك البحرية بالمحيط الأطلسي والحصار البحري البريطاني، وصف الألمان مشروع مدغشقر بغير الواضح. ومع خسارتها لمعركة بريطانيا ما بين شهري آب/أغسطس وتشرين الأول/أكتوبر 1940، قررت الإدارة الألمانية تأجيل مشروع مدغشقر. وبحلول العام 1942، تخلى الألمان نهائيا عن فكرة إنشاء وطن لليهود بجزيرة مدغشقر عقب إقرار برنامج الحل النهائي لمسألة اليهود بأوروبا.