مع بداية عصر البث الإذاعي، كانت الإذاعات الأهلية أول نافذة تقرّب المواطن من مفهوم الإعلان. فقد انتشرت في كل منطقة وحي، ولكل حي إذاعته الخاصة التي يصل صوتها مباشرة لأهله وسكانه. ومن خلالها، كان يتم الإعلان عن السلع التجارية المتاحة في المنطقة، وكذلك الفرص والخدمات المرتبطة بكل حي، في نموذج مبكر للإعلام المحلي الذي يخاطب جمهوره من قلب المجتمع.
وكانت قد بدأت الإذاعات الأهلية في مصر في عشرينيات القرن العشرين، وكانت تعتمد على الأفراد والتجار في تشغيلها للترويج للبضائع والربح من الإعلانات، ومن أشهر هذه المحطات “مصر الجديدة” و “سابو” في القاهرة، و”فيولا” في الإسكندرية.
وفي 29 مايو 1934، توقفت جميع هذه المحطات عن العمل لتفسح المجال أمام الإذاعة الحكومية الرسمية.
اليوم، وبالتزامن مع الانتخابات البرلمانية لمجلسي النواب والشيوخ 2025، تطوّر المشهد بشكل لافت؛ إذ ظهرت على السوشيال ميديا صيغة حديثة تشبه الإذاعات الأهلية القديمة، ولكن في قالب رقمي. أصبحت صفحات الفيسبوك تحديدًا هي المنصة الأبرز داخل كل دائرة انتخابية، تؤدي دور “إذاعة أهلية رقمية” تعكس أحوال أهالي الدائرة، وتنقل أخبار المرشحين، وتعرض آراء الجمهور، وتتحول في بعض الأحيان إلى ساحة للنقاش والتفاعل تمهيداً لربما خطوة الحشد.
ومن ثم أصبح الإعلان الأولي أو الرئيسي لأي مرشح انتخابي يتم عبر هذه الصفحات ذات الطابع الأهلي، المرتبطة مباشرة بكل دائرة انتخابية، لاسيما لمرشحي النظام الفردي، فمن خلالها يصل المرشح إلى أكبر جمهور متلقٍّ داخل دائرته، ويعرض نفسه وبرنامجه الانتخابي – إن وُجد- وخدماته، بينما يتعرّف في الوقت نفسه على ردود أفعال المواطنين لحظيًا عبر التعليقات والتفاعل المباشر.
وهذا التطور يُعد امتدادًا حداثيًا لفكرة الإذاعات الأهلية القديمة؛ فالذي كان يومًا بثًّا صوتيًا محليًا أصبح اليوم تواصلًا رقميًا مباشرًا، يتيح رصد ما يحدث بالشارع لحظة بلحظة، ويكشف مطالب أهالي الدائرة بشكل فوري، وهو أمر قد يساهم حالياً أو مستقبلا في تشكيل المشهد الانتخابي وأساليب الحشد والتواصل السياسي.
![]()
