قبل 5 أعوام، كانت الأضواء الإقليمية والدولية مسلّطة على إعلان الإمارات توقيع “اتفاقات إبراهيم” مع إسرائيل، في خطوة اعتبرت حينها قفزة غير مسبوقة نحو تحقيق السلام في الشرق الأوسط.

ولكن ما غاب عن كثير من التحليلات آنذاك هو أحد أهم الأهداف الاستراتيجية الكامنة وراء الاتفاق: وقف مخطط إسرائيل لضم مناطق من الضفة الغربية، والحفاظ على أفق حلّ الدولتين.

اليوم، وبعد تصاعد الحديث في إسرائيل في الأسابيع الأخيرة عن نوايا جديدة للضمّ، تؤكد الوقائع أن الرؤية الإماراتية كانت صائبة، وأن “الخط الأحمر” الذي رسمته أبوظبي لا يزال حاجزاً سياسياً أمام الحكومة الإسرائيلية، بحسب ما يراه محللون فرنسيون، أكدوا أن “اتفاقات إبراهيم” تحوّلت إلى أداة ضغط سياسية فعّالة، تحافظ على التوازن الإقليمي.

كما أضفت تصريحات الرئاسة الفرنسية وصدور مواقف أوروبية اعتبرت كذلك أي ضمّ للضفة الغربية خطاً أحمر، بُعداً غربياً لقراءة أن التحذيرات الإماراتية وجدت صدى واسعاً في سياق دولي أوسع.

تحذير إماراتي صريح

في مطلع سبتمبر (أيلول) 2025، أصدرت الإمارات تحذيراً علنياً بأن أيّ خطوة إسرائيلية لضمّ أراضٍ في الضفة الغربية ستشكّل “خطاً أحمر” يهدد جوهر اتفاقات إبراهيم.

ولا تزال الصحافة الفرنسية تسلّط الضوء على أبعاد تصريح لانا نسيبة، وزيرة الدولة، من أن ضمّ الضفة الغربية من شأنه أن “يُنهي رؤية التكامل الإقليمي، ويدق ناقوس الموت لحلّ الدولتين”. وكذلك قولها “إن مبادئ اتفاقات إبراهيم، المتمثّلة في الرخاء والتعايش والتسامح والتكامل والاستقرار، لم تبدُ يوماً أكثر عُرضة للتهديد مما هي عليه اليوم”.

وأبرزت العديد من وسائل الإعلام في فرنسا الدور الاستراتيجي للتحذيرات الإماراتية، حيث اعتبرت “لكسيبرس” تحت عنوان “ضمّ الضفة الغربية: الخطّ الأحمر الذي حدّدته الإمارات يُعقّد خطط إسرائيل”، أن أبوظبي أعادت خلط الأوراق في تل أبيب، وجعلت أي خطوة إسرائيلية نحو الضمّ مغامرة دبلوماسية محفوفة بالمخاطر.

وبالفعل فإنه منذ توقيع الاتفاقات، استخدمت أبوظبي علاقاتها مع تل أبيب للتأثير على سلوك إسرائيل في الملفات الحساسة، مثل الضفة الغربية والقدس، وحماية حلّ الدولتين.

وأكد د.باسكال بونيفاس، أحد أبرز المحللين الاستراتيجيين الفرنسيين، ومدير معهد الدراسات السياسية في باريس، أن اتفاقات إبراهيم وضعت شروطاً سياسية واضحة للتطبيع مع إسرائيل.

من جهته قال المحلل السياسي ثيودور أزوز، إن “الإمارات لم تكتفِ بإقامة علاقات، بل وضعت خطوطاً حمراء واضحة. وهذا جعل إسرائيل تفكر مراراً قبل أي خطوة، قد تفقدها شركاءها العرب الجدد”.

وقف الاندفاعة نحو الضم

فور صدور التحذيرات الإماراتية، خفف بعض وزراء اليمين الإسرائيلي لهجتهم بشأن مشروع الضمّ، في مؤشر على أن الضغوط الإقليمية بدأت تؤتي ثمارها.
وأكدت مصادر دبلوماسية أوروبية أن موقف أبوظبي كان حاسماً في إعادة النقاش داخل الحكومة الإسرائيلية إلى حسابات “الكلفة مقابل المكسب”، واستبعاد مشروع الضم من جدول أعمالها، خاصة مع الرغبة في الحفاظ على علاقات اقتصادية مع الإمارات.

وانطلقت خطوة أبوظبي منذ البداية من رؤية تمثلت في أن تحقيق الاستقرار والسلام لا يمرّ بالمقاطعة، بل بالتفاعل المشروط.

وفي هذا الصدد قال المفكر والباحث الفرنسي دومينيك موازي، إن “أبوظبي لم ترفع الشعارات بل وضعت سياسة واقعية: علاقات مع إسرائيل ضمن حدود واضحة”، وهذه المقاربة جعلت الإمارات لاعباً محورياً، صوتها مسموع لدى الغرب وإسرائيل، وتحافظ على مصالحها الإقليمية ودورها المهم في دعم الأفق السياسي للدولة الفلسطينية.

قراءة استراتيجية دقيقة

ويجمع خبراء السياسة الفرنسيون على أنه بعد 5 سنوات على اتفاقات إبراهيم، يتضح أن التحليل الاستراتيجي الذي قاد الإمارات إلى التوقيع كان دقيقاً، خاصة أن الاتفاقات حالت دون تنفيذ مشروع ضمّ واسع للضفة الغربية، وأبقت الباب مفتوحاً أمام حلّ الدولتين، وذلك بفضل الدور المحوري للإمارات كضامن سياسي لإيقاع السلام في منطقة الشرق الأوسط.

وقالت صحيفة “لو فيغارو” إن الإمارات أهم الدول الأربعة الموقّعة على اتفاقيات إبراهيم عام 2020، لذا فإن تحذيرها من أن أي ضمّ للضفة الغربية هو “خط أحمر” يكتسب أهمية خاصة، ويستدعي بالفعل الضغط الأمريكي على رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو، لحماية هذه الاتفاقيات التاريخية في الشرق الأوسط، بحسب الكاتب والصحافي الفرنسي جورج مالبرونو.

وأكدت منصة “فيرال ماغ” الفرنسية أن موقف الإمارات يكتسب أهمية بالغة، كونه يعكس توازناً دقيقاً بين الحرص على الدبلوماسية ودعم القضية الفلسطينية.

Loading

By عبد الرحمن شاهين

مدير الموقع الإلكتروني لجريدة الأوسط العالمية نيوز مقدم برنامج اِلإشارة خضراء على راديو عبش حياتك المنسق الإعلامي للتعليم الفني