كتب.. هاني صيام
شهر رمضان، شهر الصيام والعبادة، ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو مدرسة إنسانية تُذكِّر الأغنياء بآلام الجائعين، وتُحيي في النفوس قيم التعاطف والتضامن. لكن ماذا لو تخيلنا للحظة أننا جميعاً فقراء؟ ، لا نملك قوت يومنا، ولا نستطيع توفير لقمة عيش أو كسوة لأطفالنا؟ ماذا لو تحوَّلت موائد الإفطار إلى أحلام بعيدة، وصارت حاجة الأسرة إلى الطعام والملبس كابوساً يومياً؟
هذا السيناريو الافتراضي ليس بعيداً عن واقع الملايين حولنا. فالصيام، بجوهره الروحي، يدفعنا لتجربة الجوع لنشعر بمن يعيشونه كحقيقة دائمة، وليكون دافعاً لنا لمدِّ يد العون. يقول الله تعالى: “وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى” ، فالتكافل الاجتماعي ليس خياراً، بل فريضة موازية لفريضة الصيام. فكيف يكون رمضان شهر العطاء إن لم نُشرك الفقير في بركاته؟
هنا تبرز جهود الدولة مثل مبادرة «أهلاً رمضان» ، التي تُخفِّض أسعار المواد الأساسية وتُسهِّل على الأسر محدودة الدخل تلبية احتياجات الشهر الكريم. هذه المبادرات تُشكِّل شريان حياة للكثيرين، وتستحق الإشادة والتقدير. لكن التحديات الاقتصادية العالمية، وارتفاع الأسعار الصارخ، يجعلان الفجوة بين حاجة الفقراء وإمكاناتهم تتسع كالهاوية. فكيف نُسدُّ هذه الهوة؟
المسؤولية جماعية. افراد ، ومؤسسات و شركات ، و الجمعيات الخيرية ؛ -الأفراد.. بالإنفاق مما رزقهم الله، ولو بالقليل. فصدقة السر تُطفئ غضب الرب، وتُعيد التوازن إلى المجتمع.
-و المؤسسات والشركات.. بتبنِّي مبادرات مستدامة لدعم الأسر الفقيرة، مثل توزيع سلَّات غذائية، أو توفير كسوة العيد، أو دفع فواتير العلاج.
-والجمعيات الخيرية.. بتكثيف حملاتها لاكتشاف الحالات الأكثر احتياجاً، وضمان وصول المساعدات بشفافية وسرعة.
رمضان فرصة لزرع ثقافة التكافل، لكن الفقر لا يعرف شهراً محدداً. فالدعم المستمر طوال العام هو الحل الجذري لمنع تفاقم المعاناة. نعم، المبادرات الموسمية مثل «أهلاً رمضان» ضرورية، لكنها لا تكفي وحدها. فالأمر يحتاج إلى نظام متكامل من التوعية، والتبرعات المنتظمة، وسياسات اقتصادية تراعي الفئات الهشَّة. لاسيما بالظروف الاقتصادية الصعبة الحالية.
في الختام، لنعود إلى سؤالنا… ماذا لو كنا جميعاً فقراء؟… الإجابة تكمن في تصرفاتنا اليوم. فكل موقف نتجاهل فيه صرخة محتاج، كلُّ لقمة نزيد فيها إسرافنا بينما آخرون يتضوَّرون جوعاً، هي إساءة لروح رمضان. لنجعل هذا الشهر نقطة انطلاق لضمير مجتمعي حي، يعمل كخلية نحل تُصلح ما أفسدته الأزمات و التقلبات الاقتصادية.
شهر الصيام يمر ، لكن الجوعى يبقون. فلنحفظ لهم كرامتهم، ولنُحول التكافل من شعار مؤقت إلى عادة دائمة. فكما قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: “مَن كانَ معه فضلُ ظهرٍ فليَعُدْ به على مَن لا ظهرَ له”.