بقلم: زكريّا كرش

انتشرت في الآونة الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصًا فيسبوك، صورٌ لأشخاصٍ مقيّدين بالحبال إلى صواريخ يَرفع بعضها العلم الإيراني، مع تعليقات تزعم أنّ هذه «وسيلة مبتكرة لإعدام العملاء والجواسيس». ورغم أنّ أغلب تلك الصور مفبرك أو مأخوذ من ألعاب فيديو، فإنّ عددًا من المعلّقين العرب المؤيّدين لإيران أبدوا إعجابًا صادمًا بما اعتبروه «العقاب الأمثل» للخونة.

قد يكون لإيران أساليبها في معاقبة من تتهمهم بالتجسّس، وذلك شأنٌ داخليّ يخصّها وحربها. لكنّ السؤال الأخطر: ماذا لو استنسخ الحوثيّون هذه الأساليب؟ هل سيُدرَج كلُّ معارض، أو حتى الممتنع عن تأييد حربهم المعلَنة ضد «الكفّار»، في خانة «العميل والجاسوس»؟

إعجابٌ على فيسبوك… وتمهيدٌ للقمع

شهدنا مؤخرًا سيلًا من المنشورات لمستخدمين يمنيين يعبّرون عن تأييدهم الشديد للطريقة الإيرانية المزعومة في «التخلّص من العملاء». هذا الترحيب بالعنف يمهّد ــ أو بالأحرى يوسّع ــ باب القمع الذي لم يُغلق يومًا في مناطق سيطرة الحوثيين؛ إذ سيجدون فيه مبرّرًا علنيًّا لتنفيذ أحكامٍ ميدانية ضد أيّ صوت معارض، بحجّة أنّ الضحية «مرتزق» أو «خائن» يستحقّ القصاص.

الأخطر أنّ الحوثيّين لن يحتاجوا إلى صواريخ لتحقيق الهدف ذاته؛ فالترسانة القديمة من أساليب التعذيب والاعتقال والإخفاء القسري كافية لترهيب المجتمع. ومع توفّر غطاء دينيّ وسياسيّ جاهز، لن يتردّدوا في اللجوء إلى عقوبات أشدّ قسوة.

«يا عميل الموساد»… تجربة شخصية تكشف الهدف

لم أَسْلَم أنا ــ ككاتبٍ ينتقد سياساتهم ــ من تهمة العمالة. قبل أيامٍ فقط، نعَتني أحدهم بـ«عميل الموساد» لمجرّد أنّي لم أُبدِ التعظيم المطلوب لحركة الحوثيّين خلال هذه المرحلة. تلك الشتيمة ليست مجرّد إهانة شخصية؛ بل دليل آخر على نجاح الجماعة في ترسيخ معادلة خطرة: كل منتقد = خائن.

فماذا عن المنتقدين الذين ما زالوا تحت قبضتهم في الداخل اليمني؟ الجواب معروف: سجونٌ، ومحاكماتٌ شكلية، وربما «صواريخ» مجازية أو حقيقية.

الحرب أداة لتصفية الخصوم

منذ اندلاع هذه الجولة من الحرب، كتبتُ مرارًا أنّ الهدف الخفيّ هو تصفية المعارضين تحت لافتة «محاربة الكفار». ومع مرور الوقت، يتأكّد هذا الطرح: أصبح من السهل إسكات أيّ صوت ناقد بذريعة مساندة «العدو»، فيُكتسب غطاءٌ دينيّ يبرّر التخلّص من الخصوم السياسيين وكل من يخالف الجماعة بالرأي أو الكلمة.

بات المواطن اليمني أمام خيارين أحلاهما مرّ: إمّا الانضواء تحت راية الحوثيّين، أو التعريض لخطر تهمة الخيانة. وهكذا تُحكِم الجماعة قبضتها على الداخل، مستفيدةً من تصفيقٍ رقْميّ على منصّات التواصل يشرعن العنف ويخوّف الخصوم.

خلاصة

رأيي ــ الذي لم ولن يتغيّر ــ أنّه لا فرق جوهريًّا بين إيران، وإسرائيل، والحوثيّين حين يتعلّق الأمر بسفك الدماء البريئة وتاريخ الانتهاكات. الاختلاف الوحيد هو في الرايات التي يرفعونها لتبرير القتل. إنّ الاحتفاء بالعنف، أيًّا كان مصدره، يمنح الطغاة رخصةً لتمديد مسالخهم… وما الصواريخ إلا تفصيلٌ عرَضيّ أمام آلة القمع التي تلتهمُ اليمنيين ببطء وصمت.

Loading

By عبد الرحمن شاهين

مدير الموقع الإلكتروني لجريدة الأوسط العالمية نيوز مقدم برنامج اِلإشارة خضراء على راديو عبش حياتك المنسق الإعلامي للتعليم الفني