بقلم : مصطفى سبتة

سافرت فى كل البلاد برغبتي
وعزمت على نثر خواطر الاهاتى
ورضيت بالغربة الموحشة لكي
اشدو على الأقوام بالاشعاري
مازلت أركض في حمى كلماتى
الشعر تاجى والمدى ملكاتى
أهفو إلى الزمن الجميل يهزنى
صخب الجياد وفرحة الريات
مازلت كالقديس أنشر دعوتى
وأبشر الدنيا بصبح أت
مازلت كالطفل الصغير إذا بدأ
طيف الحنان يذوب في لحظات
مازلت أعشق رغم أن هزائمى
فى العشق كانت دائماً مأساتي
وغزوت أفاق الجمال ولم يزل
الشعر عندى أحمل الغزوات
وأخترت يوماً أن أحلق في المدى
ويحوم غيرى فى دجى الظلمات
كم زادنى شبح مخيف صامت
كم دار فى رأسي وحاصر ذاتى
وأظل أجرى ثم أهرب خائفاً
وأراه خلفى زائغ النظرات
قد عشت أخشى كل ضيف قادم
وأخاف من سفه الزمان العاتى
وأخاف أيام الخريف إذا غدت
طيفاً يطاردني على المرأة
مازلت رغم العمر أشعر أنني
كالطفل حين تزورنى هفواتى
عندى يقين أن رحمة خالقي
ستكون أكبر من ذنوب حياتي
سافرت فى كل البلاد ولم أجد
قلبا يلملم حيرتى وشتاتى
كم لاح وجهك فى المنام وزارتى
وأضاء كالقنديل في شرفاتى
وأمامى الذكرى وعطرك والمنى
وجوانح صارت بلا نبضات
ما أقصر الزمن الجميل سحابة
عبرت خريف العمر كالنسمات
وتناثرت عطراً على أيامنا
وتكسرت كالضوء في لحظات
ما أصعب الدنيا رحيلا دائماً
سئمت خطاة عقارب الساعات
أمنت في عينيك أنك موطنى
وقرأت أسمك عند كل صلاة
كانت مرايا العمر تجرى خلفنا
وتدور ترسم فى المدى خطواتى
شاهدت فى دنس البلاط معابدا
تتلى بها الآيات فى الحانات
ورأيت أقدار الشعوب كلعبة
يلهو بها الكهان فى البارات
ورأيت من يمشي على احلامه
وكأنها جثث من الأموات
ورأيت من باعوا ومن هجرواومن
صلبواجنين الحب في الطرقات
أمنت بالإنسان عمرى كله
ورسمته تاجا على ابياتى
هو سيد الدنيا وفجر زمانها
سر الإله وأقدس الغابات
هو إن سما يغدو كنجم مبهر
وإذا هوى ينحط كالحشرات
هل يستوى صبح أضاء طريقنا
وظلام ليل مر باللعنات
هل يستوى نهر بخيل جاحد
وعطاء نهر فاض بالخيرات
أيقنت أن الشعر شاطئ رحلتي
وبأنه عند الهلاك نجاتي
فزهدت في ذهب المعز وسيفه
وكرهت بطش المستبد العاتى
وكرهت فى ذهب المعز ضلالة
وخشيت من سيف المعز مماتى
ورفضت أن أحيا خيالا صامت
أو صفحة تطوى مع الصفحات
وأخترت من صخب المزاد قصأدى
ورفضت سوق البيع والصفقات
قد لا يكون الشعر حصنا آمنا
لكنه مجد بلا شبهات وشبهات
والآن أشعر أن أخر رحلتي
ستكون في شعرى وفى صرخاتى
تحت التراب ستختفى القابنا
لاشئ يبقى غير طيف رفات
تتشابك الايدى وتنسحب الروى
ويتوه ضوء الفجر فى الظلمات
وترى الوجوه على التراب كأنها
وشم يصافح كل وشم أن
ماذا سيبقى من بريق عيوننا
لاشئ غير الصمت والغبرات
ماذَا سيبقى من جواد جامح
غير البكاء المر والضحكات
أنآ زاهد في كل شئ بعدما
أخترت شعرى وأحتميت بذاتى
زينت أيامى بغنوة عاشق
وأضعت في عشق الجمال حياتي
وحلمت يوماً أن أراك مدينتي
فوق السحاب عزيزة الرايات
ورسمت أسراب الجمال كأنها
بين القلوب مواكب الصلوات
قد قلت ماعندى ويكفى أنني
واجهت عصر الزيف بالكلمات

Loading