إعداد : محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء التاسع مع الأعمال ما بين الصدق والباطل، ومن أضرار الكذب، أن الكذاب ينسب إليه حتى الأشياء التي لم يكذب فيها، فيكذب على الكذاب، ولو تحرى الصدق يبقى متهما، وإذا عرف الكذاب بالكذب لم يكد يصدق في شيء وإن كان صادقا، ومن آفة الكذاب نسيان كذبه، ولذلك فإن الكذاب يكون في منزلة وضيعة بين الناس، ولكن هل هناك أمور يجوز فيها الكذب؟ فإن الجواب هو نعم، فإنه يجوز الكذب في الحرب، وإصلاح ذات البين، وبين الزوجين، والنبي صلى الله عليه وسلم، قد استخدم التورية، ولذلك نقول الكذب يجوز في حالات لكن اللجوء إلى التورية أحسن، وإن الصحابى الجليل أبو بكر الصديق رضى الله عنه قد استخدم التورية فسئل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن معه فقال هذا هاد يهديني السبيل “رواه البخاري، فظنوا أنه على هداية الطريق وهو على هداية سبيل الخير، وإن من الأشياء التي يجوز الكذب فيها هو بين الزوجين، ليس الكذاب الذي ينمي خيرا أو يقول خيرا.
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم” ليس الكذاب الذى يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا ” رواه البخاري ومسلم، أو ليصلح ما بينه وبين زوجته لو كذب عليها فإنه لا يعتبر بذلك كاذبا ولكن الإنسان يستخدم المعاريض كما ذكرنا، وإن من الكذب الذي يقع هو ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، مخاطبا به بعض النساء ” لا تجمعن جوعا وكذبا” فقد قدم لبن فأمر بتقديمه لبعض النساء فقلن لا نشتهي فقال ” لا تجمعن جوعا وكذبا “رواه أحمد وابن ماجة، وهذه حال كثير من الناس يأتيك في البيت تريد أن تضيفه فيقول لا أشتهي ولا أريد, وهو يشتهي لكن يعتبر أنها من الحرج أو شيء من هذا القبيل فيكون قد وقع في الكذب، إما أن يقول لا أريد لكن يقول لا أشتهي وهو يشتهي فهذا من الكذب، وإن الصدق مع الله تعالى هو الذي يبعث على الافتداء بكل غالى ورخيص في سبيل رضوان الله عز وجل ومحبته ونصرة دينه مهما كانت التضحية ومهما كان الثمن غاليا، فالصدق مع الله عز وجل هو الذي دفع بطلحة.
أن يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أحد حتى شُلت يده رضي الله عنه، والصدق مع الله هو الذي دفع بسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أن يقاتل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أحد، وكان يناوله النبل ويقول “ارم ياسعد، فداك أبي وأمي” والصدق مع الله هو الذي حدا بأبي طلحة أن يستبسل في الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمشركون محيطون به وأبو طلحة يقول “يانبي الله، بأبي أنت لا تشرف إلى القوم ألا يصيبك منهم سهم، نحري دون نحرك” أي جعل الله نحري دون نحرك، وهذا الشأن هو الذي دفع بنسيبةَ بنت كعب رضي الله عنها في أحد أن تذبّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف وترمى بالقوس وتصاب بجراح كثيرة، وهذا الأمر أي الصدق مع الله هو الذي جعل أبا دجانةَ يترس بنفسه دون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقع النبل في ظهره وهو منحنى على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كثر فيه النبل، فما بال بعض المسلمين اليوم حينما تعرض عليه مصالح آنية.
أو منافع ذاتية تجده يسير وراءها لاهثا، ويندفع نحوها مسرعا، ولو كان ذلك على حساب دينه ومخالفة أمره؟ فبئس القوم فبئس القوم، آثروا دنياهم على آخرتهم، واستبدلوا الفاني بالباقي، وإن الصدق الشامل مع الله تعالى معناه هو أنك إذا قلت إني أحبك يا رب، وأخافك وأرجوك، فإنك تمتحن بالتكاليف الشرعية، وتمتحن بالأوامر الإلهية وبالنواهي، فإن كنت صادقا في قولك آمنت، فإنك لا ترضى لنفسك أبدأ أن تقع في حرام، أو أن تترك واجبا من الواجبات، فإذا قيل لك إن شرب الخمر حرام، إن شرب الدخان حرام، إن ظلم العامل حرام، إن الغيبة والنميمة حرام، إن إيذاء المسلم فسوق وإجرام، فإنك تعمل كل جهدك لكي لا تقع في ما حرم الله عليك، هذا إذا كنت صادقا، لهذا يقول سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة الزمر ” والذى جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون ” والذي جاء بالصدق، هو النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، والذي صدق به هم المؤمنون الذين اتبعوا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
وصدقوا في ذلك، ولقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادقين عند الله، فيقول “من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا وجبت له الجنة” وإن الرضا بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا وبالإسلام دينا المقصود منه، أن ترضى وأنت صادق مع الله، وهذا الرضى مع الصدق، هو الذي يجعلك تتحمل جميع المشاق في سبيل أن تصدق مع الله، وأن ترضيه، وهذا هو الذي فعله سلفنا الصالح، الذين صدقوا مع الله، واخلصوا له، فإن خبيب بن عدي أخذه كفار مكة، وصلبوه على الخشبة، وأرادوا قتله، وقال له أبو سفيان وكان كافرا حينئذ، قال له يا خبيب أترضى أن يكون محمد مكانك، وتنجو أنت؟ فانظر إلى الرد وتعلم الصدق، فإذا به يقول والله ما أرضى أن يشاك رسول الله صلى الله عليه وسلم بشوكة وأنا حي، فكيف أرضى بأن يكون مكاني؟ يعني أنا فداء لشوكة تصيبه لا أرضى بها، وانظر إلى المرأة المسلمة في غزوة أحد تأتي من بعيد بعد أن سمعت بهزيمة المسلمين، فيقال لها قتل زوجك، فتقول وأين رسول الله؟
![]()
