بقلم: حمادة نصار أحمد

لقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يحترم خصمه،ويتكلم معه بأدب بالغ،وتقدير جم،ويكنّيه بكنيته.وبذلك يعلمنا أدب الحوار.وأهم نقطة فيه أن يتسع صدرنا لإستماع وجهة نظر الخصم،مهما كانت وجهة النظر هذه مرفوضة أو مقبولة عندنا،سامية أومنحطة لأننا بذلك نضمن أن يستمع خصمنا لنا،ويتسع صدره لوجهة نظرنا.ومالم نملك هذه الخاصية الهامة،فلن نربح الحوار مع عدونا.لقد جلس الرسول صلي الله عليه وسلم يستمع إلي بعض العروض السخيفة الهزيلة التي يعرضها عليه عتبة ابن ربيعة ولم يقاطعه في حديثه،ولم يشمئز من كلامه بل أكثر من ذلك يفسح له المجال للمتابعة حتي يفرغ كل مافي جعبته،ثم يسأله أو قد فرغت؟ويخاطبه بقوله ” يا أبا الوليد”
ما أحوجنا اليوم إلي اقتفاء أثره صلي الله وسلم في ظلّ حوار الطرش والعميان ،ووصلات الردح والتلاسن،وأدبيات التخوين والتسليط التي يمارسها البعض في برامج التوك شو علي شاشات الفضائيات ،وصفحات الجرائد.وحديثي هنا موجه بالأصالة والتبع إلي أولئك الذين رضوا بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلي الله عليه وسلم نبيّياً ،الذين يقدسون كلام النبي ويقدرونه حق قدره،ولا يعنيني الأخرون ممن لا يرجون لله وقاراً !!لأننا مطالبون اليوم قبل غيره أن نعرض الوجه الحضاري للحوار والذي وضع المعصوم صلي الله عليه وسلم أسسه وسماته،وخصائصه ومقوماته.ثم إننا لا ندافع عن ذواتنا وأنفسنا بقدر ما ندافع عن قضية حضارية نرجو من وراءها الله واليوم الآخر أولاً ثم نتمني الخير للبشرية كلها إذا ما سارت علي هذا النهج واتبعت هذا الطريق القويم ،لقد نجحت طريقة النبي وأسلوبه الراقي فيالحوار الذي أشرنا إليه بداية المقال في تحييد الخصم وضمان إقصاءه من قائمة الخصوم المحاربين وهذا في حد ذاته نجاح لو تعلمون عظيم ،والدليل علي صحة ماذهبنا إليه …هي الطريقة التي تكلم بها عتبة بن ربيعة عن النبي صلي الله عليه وسلم عندما رجع إلي المجلس القرشي المنعقد لممناقشة هذا الأمر الجلل الذي نزل بهم …لقد تكلم كلاماً هو أقرب إلي الدفاع عن النبي منه إلي الهجوم عليه حتي ظنّ به القوم أنّه وقع تحت تأثير السحر الذي يزعمون أنّ النبي يمارسه في سبيل نشر الدعوة التي يزعم أنّه قد جاء بها من عند الله تعالي…تري لو أنّ الرسول صلي الله عليه وسلم سلك معه مسلكاً آخر ،من التعنيف والتبكيت والسخرية والاستهزاء رداً علي هذا الهراء الذي جاء يعرضه عليه ،ولاأقصد من كلامي هذا أنّ نعطي الدنية في ديننا أو أن نقبل المساومة علي حساب الحق الذي ندين لله تعالي به كلا وألف كلا …لأنه لا تلازم بين توضيح القضية توضيحاً كاملاً يرفع عنها اللبس والغموض ،ويعرض المفاهيم والتصورات التي ندين لله بها وبين عرضها في أسلوب منفر غليظ يتسم بالوعورة والشدة،نعم لا تلازم بين الأمرين بحال ، فعرض الحقائق التي نؤمن بها كاملة غير منقوصة شيئ ،واللين والدبلومسية العالية الراقية في العرض شيئ آخر.وفي النهاية ينبغي أن يلتزم أهل الحق الوسائل التي رسمها النبي صلي الله عليه وسلم ،ولا يجوز مخالفتها بحال مهما كانت الغايات شريفة ،لأنّ الذي تعبدنا بالغايات هو الذي تعبدنا بالوسائل مثلا بمثل ،وإلا ما الفرق إذن بيننا وبين أتباع المنهج الميكافيلي الذي يرون أنّ الغاية تبرر الوسيلة أيّاً كانت هذه الوسيلة رفيعة أو وضيعة مادامت ستصل بهم في النهاية إلي الغاية التي يصبون إليها ويخططون لها.فالسياسة عندنا ليست كالسياسة عند الأخرين والتي يحكمها عندهم مبدأ” اللي تغلب بيه العب بيه”وإن خالفت كل قوانين الأخلاق الموجودة في الدنيا كلها…أما السياسة التي نرنو إليها هي السياسة المحكومة بقوانين الأخلاق ..ومقومات النبل والصدق والعفاف والصلة لأننا ينبغي أن نؤديها كعبادة نتقرب بفعلها لله تعالي ،وهذا يتطلب من الذين يمارسونها أن يمارسوها بروح العبادة وروحانياتها لا بروح المغامر المقامر الفاجر خواض الغمرات الميكافلي،الذي لا يري فيها إلا الحيل والدسائس واللعب بالبيضة والحجر في سبيل تحقيق الأهداف التي يريد تحقيقها وإن ركب متن الدجل السياسي والشعوذة الفكرية والبهتان المقصود.

Loading