للناقد أ.د/ لمياء كرم صافي

الفن التشكيلي هو عنصر اتّصال مهم جدا وجزء لا يتجزأ من البيئة التي نعيش فيها، وإن رؤية الطبيعة لدي الفنان لها وقع مختلف عن الانسان العادي فهي  مدعاة للتأمل والتدبر لمواطن الجمال مصدرا من مصادر الإلهام ويدرب الفنان نفسة علي رؤية الطبيعة كأبداع من صنع الخالق وعمل فني غير مسبوق فنجد الفنان بابلو بيكاسو الذي وجد في الطبيعة ملهما، ويمكننا القول أنه اعتبرالفن جزء لا يتجزأ من ثقافة الناس وممارساتهم اليومية، انَّه ترجمة لمجموعة العلاقات العميقة التي تُطرح في شكل إشكاليّات استيطيقية تربط الذات بمجتمع ، فمن خلال تأملات الفنان للطبيعة التي تعد المثل الأعلى في الجمال الذي يجب اتباعه ومحاولة محاكاته في الأعمال الفنية، مع المحافظة على قيم التوازن والتناسق والجمال والاعتدال، والانتباه إلى عدم المُغالاة في التعبير عن العواطف والمشاعر الذاتية للفنان ويمكن أن نري للبحر  والسماء نصيب كبير في الظهور في أعمال عديد للفنانبن كما في العمل الفني “إمرأتان تعدوان على الساحل” (1922) و التي تعبر عن نوع من البهجة والمرح، حيث نرى شكلي لامرأتين تسليان نفسيهما بلعبة في شكل قارب وايضا لوحة الفنان  ” لكلود مونيه 1870 (علي الساحل ) رسمت هذه اللوحة أثناء وجود الرياح الشديدة حاملة معها ذرات رمال سرعان ماالتصقت بالألوان لتصبح جزءا طبيعيا منها، وهذه اللوحة هي واحدة من خمس رسم فيها مونيه المياه والسواحل في صيف 1870و نجح في رصد مختلف عناصر المشهد بما في ذلك المرأة الجالسة التي لا يمكن رؤية وجهها بوضوح .

وكان دائما للبحر وللسماء اثر كبير علي الفنان التشكيلي، الذي وجّه الانتباه إلي ان البحر مصدرا من مصادر الحياة بما يحتوي عليه من طاقة وما يتيحه من الراحة الانشراح  وايضا قد يكون مصدر للقلق والخوف فالبحر له حالاته المتناقضة، التي يرها المبدعون من الفنانون فهو يمثل لهم اكتشاف بما يحتويه من مكنونات وأسرار ، ويعد مصدر للحركة وللسكون، ومصدر التحول والثبات والفنان قادر على نقل التناقض أو تآلف ويحوله إلي الإشكال ترسم وينقل الامتداد والتكامل الكائن بينه وبين السماء.

يدرك  الفنان التشكيلي أنه  من خلال تلك الرؤية يعيد الحياة إلى بعض أرجاء الذاته الداخلية التي قد تهدر من خلال ضغوط الحياة والصعوبات التي تواجه ، فينقذ أجزاءها من التشتت والتبعثر، ليُكَوِّن من خلال لوحاته منظومة تعبيرية تحاول أن تدل الرائي بالجمال على مرمى البصر، تشده إليها شرايين الابداع الرباني التي تمتد بنوع من الصحوة الادراكية لمواطن الابداع من خلال  ببعدين رئيسيين : الأول تشكيلي، والثاني تعبيري. وبتداخل البعدين تتحقق صياغة المشهد فتتم المزاوجة بين الفكرة والحالة الوجدانية .

ونحن بصدد قراءة  لمعرض ….. (بحر وسما) للفنان اابراهيم شلبي …. بمتحف المنصورة القومى السبت 20/11/2021

بحضور النقيب محسن صالح نقيب التشكيليين و النحات الفنان / مجدى مصطفى الجندى والفنان الدكتور عبد الرحيم حامد وكيل نقابه الفنانيين التشكليين والفنانة ساميه الخولى منسق المعارض بنقابه التشكيليين و الفنان السيد الزهيرى الامين العام لنقابه التشكيليين والنحات يوسف عبد الله رئيس اتيليه المنصورة و الاستاذ عبد المقصود صقر مدير متحف المنصورة والفنانه نانسى المنسق الاعلامى للمتحف و اد / اسماعيل صيام والخزاف حسن شبط والمهندسة هناء ابراهيم

ويمكن أن ننظر لفكرة المعرض من خلال مضمون أعمال الفنان ابراهيم شلبي اعتمد علي  رؤية فكرية للبحر وللسماء أنه يتخذها منطلقا وموضوعا، ليؤسس من خلال خصوصياته الضوئية والانعكاسية وتحولاته اللونية، أسلوبه الإبداعي، الذي يتراوح بين اتجاهات عدة منها التشخيصية والتعبيرية ووالانطباعية معتمد علي أسلوب السهل الممتنع  في تداخل وتمازج يجعل من خصائص كل منها رافدا لتجربته، بهدف تكوين سياق إبداعي تعبيري بالأساس، حيث يتم صهر كل ماسيق في بوتقة فكره  لينتج لنا ملامح تلك التجربة، في تعدد وتنوع أسلوبه، وكأنه يبحث عن حالة بعينها يريد اصطيادها، من بين تفاعلات الواقع والحلم. وتمضي بهما لينتج تلك الوحدات اللونية المؤكدة يقين الوعي وارتقاء الأحاسيس.

فمن خلال الصمت يتغلغل في الأشياء ضجيجا حيا وإيقاعات لا تسمع إلا وبالعيون، ولا توري الا من خلال صخب البحر في الاذان ربما تقول البقع اللونية أكثر مما يقوله اللسان، لان تعبير الفرشاة لا تحد بوهم محدد، بل هي إنها أبعد من المنظور الحسِّي الملموس للاشياء لذلك حاول الفنان ابراهيم شلبي أن  يرسل خطابا من هذه الأعمال ، في لوحاته تعمد الألوان إلى إيهامنا بان انفعالات الفنان تتمرد عليه، ولكن يتمكن الفنان من السيطرة عليها إلجامها  ىداخل عمل فني.

      يعتبرالفنان ابراهيم شلبي  «البحر»  هو الكائن الرهيب، المتقلب الأعماق حينا، والهادئ سطحا أحيانا ، والحامل لأمارات الرهبة وعلامات الاطمئنان، كيان مثيرة للتأمل فهو له رموزه ومردودات ، تمثلت في نقطة جذب ومغامرة خاصة ان الفنان لا يكتفي بالصورة كشكل وكهيئة، بل يحملوها مضامين اجتماعية يحب أن يشير إليها، تفتح أبواب كل مطلق امام المشاهد، فيربطها بالحركة والحيوية التي في امواج البحر ، أو يربطها ببهجة الاطفال ومرحهم والتعبير عن البراءة والنقاء ، أو دلالة البحر ارتبطت بالخير والعطاء، وقد يكون تلازم البحر بالقوة والفتوة والشباب، التي تظهر على سطح البحر، يتجاذب الداخل والخارج، وصولاً إلى الإهاب الوهمي للأمواج باتجاه السماء، وهي تغمره بنورها، وقدرتها على الإلمام بهيئته، ووعنفوان حركته، وحالاته المتنوعة إنه يقدم لنا نافذة نطل بها علي مشاعرنا

ونجد الفنان ابراهيم بدأ في رسم روئة فنية واقعية نابعة من وجودة في بيئة البحرية فنلاحظ أنه يختزل ويختصر ويلغي الحدود لبعض التفاصيل ويضع مساحات لونية ، بحثاً عن نور الرقرارق الذي تعكسة الموجات الصغير ، حتى يحطم الظلال، ويضرب قاع البحرالأرض لتظهر بعض الرمال  باللونين الأحمر والأصفر، ويلون البحر بالازرق الأخضر أو البرتقالي، برى الفنان ابراهيم شلبي أنّ اللون له رمز ودلالات موضوعية التي يتم تشكيل الصورة أو الرسم أو اللوحة فيها، و له رمزية تدل على الواقع الذي تُعاد صياغته في هذه اللوحة، وعلى مَن يقوم بتذوّق الأعمال الفنية أن يكتشف هذه الدلالات الرمزية الغامضة.

وايضا يحاول الفنان ان يلغي حدود الشكل والخطوط التفصيلية، حتى ينتصر على العتمة، ويبالغ في رسم النور وانعكاسات السماء ونور الشمس وهذا نوع من أنواع التفاعل بين جماليات السماء والبحر ، ونشاهد  تعدد الألوان وتغيراتها، وفق تدرّج الضوء وتغيراته، وتعدد ألوان الطيف علي صفحة الماء في حالاته السكون والهدوء، والالوان الشديدة والتداخلات الابيض في حالة هياج البجر كما تنعكس السماء لونها النقي و بسحبها على البحر فتصبح الأعماقه المظلمة وتلوح على سطحه  البحر وتظهر بقع لونية  كأنما هي مواقع على خارطة تحمل دلالات بعينها  وعندما تظهر الشمس أو اختفاءها على صفحة الماء

وفي العمل الفني نجد أن فنان ابراهيم شلبي  يحاول معايشة البحر بكل تقلباته ونزواته هدوئه وثورته، في ألوانه وأفقه، في مراكبه وبواخره، في شواطئه يخصّص الجزء الكبير من اللوحة إلى البحر، عليه تتدرج المواج إلى أبعد نقطة، وصخب الأمواج والمد والجزر عبر به عن الدراما بين السماء والبحر ، خلال رمال الشاطئ والسماء المشمسة فهما بطلان مهمان في معرض الفنان  حيث تتدفق الأمواج، لتظهر حساسية وانتباها الفنانة  لجماليات البحر التي سيتبناها ويقوم بصياغتها بشكل يساهم في اظهارالانطباعيته أضيفت لهذا النوع التعبير أعطى بعض اللوحات بعدا آخر، فإعادة الفنان إنتاج الضوء الطبيعي بأمانة  لقد حاول تثبيت الطبيعة وفق نسق يتَّبع انعكاس الضوء وحالات التغير في الطبيعة مما ادي إلي أنشاء نظاما يتسم بالجذب النفسي وهذا ما يفسر سعي الفنان وراء  الخروج عن المسار التقليدي الذي تدور فيه اللوحة حيث يرتكز أكثر ما يرتكز على الاستكشاف،و كشف ما استعصى على النظر العادي اختراقه في لجة البحر .

اتجه الفنان في لوحاته إلي  قراءة الاشكال باسلوبه الخاص حتي ينقلها من الواقع، في محاكاة مختلفة للطبيعة، و اعتمد في ذلك علي قدرته علي تحليل الأشكال التي يريد نقلها من الواقع، وأن يقوم بإعادة بنائها شكلها معتمدا علي قوة ضربات الفرشاة

ولتسليط الأضواء على جوانب هامة يريد الفنان إيصالها للجمهور بأسلوب يسجل الواقع بدقائقه دون غرابة أو نفور يركزت على الاتجاه الموضوعي، لانه يري أهمية كبيرة للموضوع نقلة كما ينبغي أن يكون،لكن من خلال اسلوبه الانطباعي حتي ينقل للمشاهد رؤيته من خلال ربط الداخل بالخارج ، لينتج  حلول تشكيلية  واقعية  الموضوع، ولكن تعد العمل الفني إحساس الفنان الذاتي وطريقته الخاصة في نقل مشاعره للآخرين من حيث ذاتية الرسام، ما جلع من أعمال فريدة ومميزة ومتباينة كلٌ حسب أفكاره ولا شعوره ومكنوناته الداخلية والواقعية  لا تطغى على ذاتية الفنان أن “الإنسان وقضاياه المختلفة عادةً ما تكون مادة لأعماله ، والتي يراها برؤية فلسفية

إن “الموهبة في أوج قوتها صقلها الفنان بالدراية  والممارسة والتجريب، وتمت تغذيتها بالقراءة والمعرفة والاطلاع كان معرضه الذي أقامه محمل بدلالات  خواطره   أتاحت له مساحة لتشكيل بحرية في التعبير  الإحساس بالبحر وبالسماء “.

ونحن نتمني للفنان دوام الابداع و المزيد من التوجهات الابداعية

Loading

By hanaa

رئيس مجلس إدارة جريدة الاوسط العالمية نيوز