كتب: اشرف صابر
تعرف على أقذر صفقة مخابراتية وعسكرية رخيصة ممكن تشاهدها في حياتك لإعادة انتاج تنظيمات الاسلام السياسي المسلحة، تابع ما يحدث في أفغانستان حاليا …
بعد عشرون عاما كاملة (2001-2021) قضتها أمريكا في أفغانستان وأنفقت فيها ما يقرب من تريليون دولار (1000 مليار دولار) بحجة محاربة تنظيم القاعدة وباقي التنظيمات المتطرفة التى تبحث في فلكها وأشهرها طبعا حركة طالبان، وبعد العشرون عاماً، فاجأت أمريكا الجميع بإعلان انسحابها من أفغانستان تماما تاركةً هذا البلد المنكوب يسقط كثمرة ناضجة يسهل قطافها بواسطة ضباع الأيديولوجيات المتطرفة، دون أن تعبأ حتى بسمعتها وهيبتها باعلان هزيمة أكبر دولة وأقوى جيش في العالم على المستوى الرسمي المعلن أمام شوية “عيال بجلاليب وشباشب”.
والأمر أوضح حتى من مجرد تحليل ما خلف الصورة، لأن المشهد كله واضح جدا في صدر الصورة تماما .. فالمرحوم سليبي بايضون وشلة أوباما يريدون تفجير أفغانستان في وجه الروس بإحياء نفس الوحش اللي كان السبب المباشر في تفكيك وانهيار الاتحاد السوفيتي السابق في الثمانينات، وذلك لمنعهم من التمدد غربا باتجاه المياه الدفيئة بالشرق الأوسط، وكذلك في وجه الصين لوأد مشروع طريق الحرير الذي تشكل أفغانستان احدى محطاته الهامة بحكم أنها مفترق طرق هام في وسط آسيا، كما يهدفون أيضا لإعادة تنشيط مفرخة الارهاب الاسلاموي التقليدية في حاضنته الكلاسيكية أفغانستان ، ومنها يتم إطلاق هذا الوحش فيما بعد في وجه العالم كما فعلوا سابقا.
يجب تسمية الأحداث باسمائها الفعلية ليتسنى فهمها على حقيقتها، فنحن أمام صفقة قذرة مكشوفة بين الولايات المتحدة وطالبان، وهذه الصفقة ليست وليدة أيام أو أسابيع قليلة مضت، وإنما هي نتاج لسلسة طويلة من اتفاقات وتفاهمات سرية جرت بين الطرفين على مدار عدة سنوات ماضية، وأوضحها ما جرى في الدوحة بين أمريكا وطالبان عام 2019، فهي في الحقيقة لم تكن مفاوضات إنما “ترتيبات وتفاهمات وصفقات“، جرى بموجبها “تسليم السلطة“ والتسليح الممنهج لحركة طالبان.
ولعل أكبر دليل على هذه الصفقة هو حجم ونوعية الأسلحة اللي تركتها القوات الأمريكية كهدية وغنيمة سائغة لقوات طالبان، وخلي بالك، احنا مش بنتكلم عن هزيمة عسكرية لجيش ما فر مهزوما أمام جيش آخر في معركة مباشرة تاركا أسلحته خلفه وهو في عجلة من أمره، نحن نتحدث عن قرار أحادي من أمريكا بالانسحاب، ‏رغم انه كان لديهم المتسع من الوقت لجمع مئات الأطنان من الأسلحة اللي لسه بشحم المصنع وتفريغ مخازنهم منها قبل انسحابهم، بما يعني أن هذه الكميات الضخمة من الأسلحة تم تركها عمدا كهدية أمريكية مجانية لتساعد طالبان في مهمتها القادمة وخلي بالك أيضا احنا مش بنتكلم بس عن كميات هائلة من البنادق والكلاشينكات أو حتى الأربيجيهات وقذائف الهاون ..ولكننا بنتكلم عن أسلحة ثقيلة متطورة مثل مضادت الطائرات والمدرعات والدبابات الثقيلة والمروحيات والصواريخ الذكية الموجهة بالليزر بل وحتى الصواريخ الباليستية متوسطة المدى، ورادارات وأجهزة اتصال حديثة، وأيضا الدرونات القتالية المتطورة من الموديلات الكبيرة المتقدمة التي لا توجد إلا لدى الجيش الأمريكي نفسه.
كما يأتي سقوط المدن الأفغانية وآخرها العاصمة الأفغانية كابول تباعا وبسهولة وسرعة مدهشة ودون قتال في يد طالبان بعد فرار واستسلام الجيش الأفغاني دليل آخر على أن الأمر برمته كان طبخة مسمومة جرى طبخها في أقبية وسراديب المخابرات المركزية الأمريكية والبنتاجون ووصلت رائحتها النفاذة لقادة الجيش الأفغاني الذين قرأ بعضهم المشهد ، وخان بعضهم الآخر وطنه ، ووصلت تعليمات وأوامر للبعض الأخر بالتسليم، فاستسلموا ووضعوا أسلحتهم وفروا جميعا هاربين من البلاد في غضون أيام وساعات قليلة بما فيهم الرئيس الأفغاني نفسه الذي فر من العاصمة كابل منذ قليل ، رغم اننا نتكلم عن جيش حديث يتكون من 300 ألف جندي أنفقت عليه الولايات المتحدة وحدها 88 مليار دولار لتسليحه وتدريبه.
ومن الشواهد أيضا على حقيقة ما حدث ويحدث، هو الدور التركي في تلك الصفقة ، فتركيا التي قدمت نفسها في أزمة أفغانستان كمقاول أنفار وذراع دولي لسادة مشروع الفوضى الخلاقة ستعمل كوكيل أعمال ومعبر ومركز دعم لوجيستي لأعداد كبيرة من اللاجئين الأفغان المدربين جيدا لتسخدمهم بعد ذلك في ابتزاز أوروبا وكذلك لإعادة الدفع بهم في ليبيا ومنطقة الساحل والصحراء بوسط أفريقيا وربما السودان أيضا ، ولا يجب أن ننسى أن تركيا -وباعتراف الرئيس أوردغان نفسه – كانت ولا زالت عضوا رئيسيا في مشروع الفوضى الخلاقة الذي تتبناه الإدارات الديموقراطية في أمريكا، تكرارًا لتجربتها مع الجماعات السورية.
كذلك من الشواهد القوية على أن ما جرى كله يأتي في اطار صفقة قذرة أتمتها دوائر العولمة والنيوليبرالية وشبكات المصالح لإعادة اطلاق الوحش الاسلاموي من قمقمه مرة أخرى أو بشكل أدق نقل مركز نشاطه وانطلاقه من سوريا والعراق بالشرق الأوسط إلى أفغانستان بالشرق الأقصى ، من تلك الشواهد إعلان كندا عن قبولها لعشرين ألف لاجئ أفغاني ليعيشوا على أرضها وكأن كل ما جرى من موجات ارهاب في العديد من دول أوروبا قبل سنوات قليلة لم يكن كافيا لكندا كي تتعلم من الدرس.
وأخيرا … اللي بيقول واحنا مالنا ومال أفغانستان البعيدة دي، فدعني أذكره بأن أفغانستان كانت هي المركز والمنشأ وخزان الارهاب الاستراتيجي الذي انطلقت منه موجات ارهاب الثمانينات والتسعينات التي طالت دولا عديدة في المنطقة ومنها مصر بطبيعة الحال، وأذكره بما عُرف في الثمانينات والتسعينات بالأفغان العرب وهم شباب الاسلاميون العرب الذين ذهبوا للقتال في أفغانستان ثم عادوا لبلادهم بعدما رحل السوفييت عنها، وهو ما عرف وقتها بـ تنظيم العائدون من أفغانستان الذين عانت منهم مصر والعديد من الدول العربية وقتها، ويكفي أن نتذكر مثلا أن عبد المنعم أبو الفتوح وعصام العريان والكثير ممن كانوا شباب جماعة الاخوان وقتها لهم صور عديدة تجمعهم بأسامة بن لادن وباقي أمراء الحرب من قادة الميليشيات الأفغانية وقتها مثل قلب الدين حكمت يار، وجلال الدين حقاني، وبرهان الدين رباني، وعبد رب الرسول سياف وغيرهم، كذلك لا يجب أن ننسى أن الكثير من قادة ميليشيات الارهاب الإسلاموي في ليبيا الذين يتحكمون في المشهد الآن كانوا في شبابهم من أعضاء “الجماعة الليبية المقاتلة”، وهي مجموعة الشباب الليبيين الذين ذهبوا في الثمانينات للجهاد في أفغانستان وبايعوا تنظيم القاعدة وقاتلوا في صفوفها، ومنهم الارهابي صلاح بادي، والارهابي عبد الحكيم بلحاج وغيرهم، أيضا قادة جبهة الانقاذ الاسلامية بالجزائر مثل عباس مدني وعلي بلحاج ومحفوظ نحناح وغيرهم، وكل تلك الأسماء الرنانة من أمراء الدم وأباطرة الارهاب الذين ارتبطت سيرتهم دوما برائحة الدم والبارود ونشروا الخراب والدمار أينما حلو أوارتحلوا.

هذا بالاضافة لموجات التأثير الاجتماعي والثقافي والفكري التي طالت العديد من المجتمعات العربية في ذلك الوقت، والتي تجلت مظاهرها فيما عرف بـ أفغنة الملابس وأفغنة الأسماء، وقبل ذلك كله أفغنة الفكر والمزاج العام والثقافة.
كل ذلك يعني أننا لسنا بعيدين أبدا عن تأثيرات ما يجري حاليا في أفغانستان، وربما سنكون على موعد مع موجة جديدة من الارهاب الذي سيضرب مصر، بس المرة دي هنكون بنواجه مقاتلين محترفين ومدربين جيدا، كما أن مجرد موافقة طالبان على استلام تركيا لزمام الأمور كالمطارات والمنشآت، فإن ذلك مؤشر على وجود نوايا سيئة ضد العرب.
إذن فكل الشواهد تؤكد دعم واشنطن للإرهاب الاسلاموي المتمثل في حركة طالبان لكي تستخدمه بعد ذلك أينما ووقتما تريد..ووداعا للاستقرار في المنطقة. ويارب نفهم

Loading

By hanaa

رئيس مجلس إدارة جريدة الاوسط العالمية نيوز