العربات تعمل بإطارات متهالكة..وقطع الغيار مضروبة
الورش تتحول الي مقابر للمعدات ..والرقابة الهندسية غائبة
الشئون الفنيه تدير الهيئة بالصمت والتجميد
رغم الجهود المتواصلة للدكتورة منال عوض، وزيرة التنمية المحلية، والدكتور إبراهيم صابر، محافظ القاهرة، والعميد وليد أبو النصر، رئيس هيئة النظافة والتجميل، فى تطوير العاصمة ورفع كفاءتها والارتقاء بمستوى الخدمات، فإن هناك معوقات داخلية تهدد بإجهاض تلك الإنجازات، أبرزها ما يدور داخل الشئون الفنية وورش الهيئة، حيث ترتفع صرخات العاملين والمهندسين يومًا بعد آخر، مطالبين بإنقاذ المعدات من الإهمال وإعادة الانضباط لبيئة العمل.
فى قلب العاصمة، تترنح منظومة النظافة بين الإهمال والتواطؤ، وتترك شوارع القاهرة فريسة للتكدس والروائح، بينما تهدر مليارات الجنيهات داخل ورش مغلقة وقرارات مدفونة، شهادات صادمة من داخل الهيئة العامة لنظافة وتجميل القاهرة تكشف كيف تحول العمل الخدمى إلى ساحة فوضى وتستر، يدفع فيها المواطن الثمن، بينما يستنشق آخرون من خراب شوارع العاصمة بالمخلفات وتلف معدات الهيئة.
وسط منظومة تغرق فى الفوضى، وتراكم الأعطال، وانعدام الرقابة، تكشف شهادات من داخل الهيئة العامة لنظافة وتجميل القاهرة عن كارثة متصاعدة تهدد سلامة العمال، وتهدر المال العام، وتنذر بانهيار كامل لأسطول النقل والخدمة فى العاصمة، عربات معطلة، إطارات منتهية، ورديات ملغاة، وفساد صامت يتحرك فى الظل، بينما تدفع الشوارع الثمن كل يوم بسبب الشؤون الفنية.
60% من عربات النظافة معطلة
كشف فنى ميكانيكى بالهيئة العامة لنظافة وتجميل القاهرة، فضل عدم ذكر اسمه، عن تدهور الحالة الفنية لعدد كبير من سيارات الهيئة، مؤكدًا أن ضعف الصيانة وغياب الرقابة على قطع الغيار باتا يشكلان تهديدًا حقيقيًا لحياة السائقين والعاملين، فضلًا عن تعطل الخدمات المقدمة للمواطنين.
وأوضح، أن عددًا من عربات النظافة، خاصة من فئة 4 أطنان والحاويات الكبيرة، تعمل بإطارات متهالكة انتهى عمرها الافتراضى، وهو ما يتسبب فى حوادث انقلاب متكررة على الطرق، قائلًا «الكاوتش بيضرب فجأة فى نص الطريق، بيحصل خلل فى توازن العربية، ومع الحمولة الثقيلة بتتقلب العربية فورًا، وده مش حادث فردى، ده سيناريو يتكرر بسبب الإهمال فى الصيانة والمسئول عن الصيانة الشؤون الفنية».
وأكد، أن نسبة العربات الصالحة للتشغيل لا تتعدى 40% من إجمالى الأسطول، فى ظل وجود عدد كبير من المركبات المعطلة المتراكمة داخل الورش دون إصلاح فعلى، وأضاف: «فيه عربيات بتتصلح ظاهريًا وترجع تشتغل يوم واحد فقط لا غير ويرجع نفس العيب، سواء بسبب استخدام قطع غيار غير أصلية أو تجاهل العطل الأساسي».
وأشار، إلى أن الأزمة تتفاقم يومًا بعد يوم نتيجة غياب الرقابة الهندسية الجادة، ووجود تضارب بين الجهات الفنية داخل الهيئة حول أولويات الإصلاح، وناشد الفنى الجهات الرقابية بالتدخل العاجل لمراجعة منظومة الصيانة بالكامل، بدءًا من شراء قطع الغيار وحتى تقييم الورش الفنية، حفاظًا على سلامة العاملين ومنع مزيد من الحوادث المأساوية.
الورش تتحول إلى مقابر
قال أحد عمال الورش الفنية بهيئة نظافة وتجميل القاهرة، رفض ذكر اسمه خوفًا من التعسف الإدارى أو نقله، كما يقال داخل الهيئة، إن الورش تحولت إلى «مقابر جماعية» للمعدات والسيارات، فى ظل تواطؤ واضح وصمت مريب من قيادات الشؤون الفنية بالهيئة.
العامل كشف عن أن هناك إهدارًا جسيمًا فى أصول الهيئة داخل الورش، حيث تتكدس عشرات السيارات واللودرات المعطلة دون أى تحرّك فعلى لصيانتها أو إعادة تشغيلها، رغم احتياج الشارع الشديد لها، وأوضح أن الصيانة تتم بطريقة عشوائية، دون التزام بالمعايير أو المواعيد المحددة، فى غياب تام للرقابة والمتابعة، وهو ما يؤدى إلى تفاقم الأعطال وخروج المعدات نهائيًا من الخدمة المطلوبة فى شوارع العاصمة.
وأضاف: «اللى يتكلم مصيره معروف… يا تجميد، يا نقل، يا خصومات، أو أسوأ من كده… إحنا شغالين فى جو كله خوف وتكميم أفواه، محدش يقدر يعترض على قرارات مسؤولة الشئون الفنية، حتى لو شايف بعينه إزاى بيتم اهدار الملايين فى قطع الغيار والصيانة الخطأ أصلًا».
العامل أكد أن الورش تضم عددًا ضخمًا من السيارات التى كان من الممكن أن تعود للعمل بخطوات بسيطة لو توفرت الإرادة الحقيقية، مشيرًا إلى أن بعض القيادات تغض الطرف عن التدهور الحاصل لأسباب غير مفهومة، ما يطرح علامات استفهام كبيرة، حول الادارة التى تنتقم من كل من يحاول كشف الحقيقة.
قطع الغيار «مضروبة»
كشف (م) مهندس بالهيئة العامة لنظافة وتجميل القاهرة، طلب عدم الكشف عن اسمه خوفًا من تعرضه للتجميد الإدارى من قبل إدارة الشئون الفنية، عن وجود أعطال جسيمة فى عدد من عربات النظافة والحاويات المستخدمة ميدانيًا، مشيرًا إلى أن بعضها يمثل خطرًا مباشرًا على حياة العمال.
وأوضح المهندس أن من بين أبرز الأمثلة حاوية لا تزال فى الورش الفنية رغم مرورها بعدة محاولات صيانة، فإن العطل الأساسى المتعلق بنظام الاتزان والتثبيت لم يحل، مما قد يؤدى إلى وقوع حادث سير أو إصابة أثناء التفريغ، قائلًا «إن عربات النقل سعة 4 أطنان تعانى من مشكلات مزمنة، مثل تسرب الزيت، وتعطل نظام الكمبروسر، وإطارات مهترئة، وبعضها لا يتحرك إلا بدفع يدوى، ولدينا عربات غير مؤهلة للعمل، لكنها تُستخدم يوميًا وسط غياب أى تقييم فنى حقيقي».
وناشد المهندس، العميد وليد أبوالنصر، رئيس مجلس إدارة الهيئة، التدخل المباشر لمراقبة منظومة قطع الغيار فى الورش، موضحًا أن «العديد من قطع الغيار يتم توريدها بجودة متدنية رغم أنها تسجل فى الميزانية بأسعار مرتفعة، فالقطعة التى لا تتجاوز قيمتها 10 جنيهات تقيد فى الفاتورة بأكثر من 100 جنيه، دون رقابة كافية».
وأشار، إلى أن بعض صيانة الحاويات يتم عبر ورش خارجية لا تلتزم بالمواصفات الهندسية، مضيفًا: «الإصلاح يتم بشكل سطحى، ما يؤدى إلى تكرار الأعطال، بل وتفاقمها ووقوع حوادث جسيمة».
وأكد، أيضًا أن صناديق القمامة الكبيرة تفرغ باستخدام اللودرات بسبب تهالك الحاويات من نوع «اتجيو»، والتى تتجاوز حمولتها 10 أطنان، ما يعرضها للتلف السريع، فى غياب حاويات بديلة أو حلول فنية عاجلة.
وطالب مهندس بالهيئة العامة لنظافة وتجميل القاهرة، فى ختام حديثه بفتح ملف صيانة المعدات داخل الهيئة، ومراجعة الفواتير وقطع الغيار، وتكليف لجنة فنية محايدة لفحص أداء الورش، حفاظًا على سلامة العمال وجودة الخدمة المقدمة للمواطنين.
الشئون الفنية تتجاهل الأزمة
كشف مهندس بالهيئة العامة لنظافة وتجميل القاهرة، رفض ذكر اسمه خوفًا من التعرض للتجميد الوظيفى، عن أزمة متفاقمة تهدد كفاءة منظومة النظافة فى القاهرة، بسبب توقف الوردية المسائية بالكامل فى مختلف أفرع الهيئة، وسط تجاهل تام من إدارة الشئون الفنية.
وأوضح المهندس، أن الوردية المسائية، التى تمتد من الساعة الخامسة مساءً حتى الثانية عشرة منتصف الليل، أُلغيت فعليًا دون قرار معلن، رغم أنها تعد من أهم الفترات اليومية فى العمل الميدانى، نظرًا لأنها مسئولة عن رفع الحاويات والصناديق وتنظيف الشوارع الرئيسية عقب انتهاء زحام اليوم.
وقال: «الأصول أن تعمل كل وردية مسائية بـ3 إلى 4 عربات سعة 4 أطنان، بالإضافة إلى حاويتين مخصصتين للصناديق الصغيرة والكبيرة فى كل فرع، لكن حاليًا الفروع بالكاد تخرج بسيارة واحدة أو حاوية، وأحيانًا لا يخرج شيء على الإطلاق».
وأشار، إلى واقعة حاوية خرجت للعمل بعد صيانة استغرقت أيامًا، لكنها تعطلت مجددًا بعد أول يوم تشغيل، ما يوضح، بحسب وصفه، الإهمال الفنى فى تجهيز المعدات وعدم المتابعة الجادة من الشئون الفنية، مضيفًا أن السائقين يباشرون أعمالهم فقط فى الفترة الصباحية من الساعة 7 صباحًا حتى 5 مساءً، بينما تغيب المعدات تمامًا عن الوردية المسائية التى تم إلغاؤها، رغم كونها المرحلة الأساسية التى تواجه فيها الفروع التكدس الحقيقى للنفايات.
وأكد، أن رئيس مجلس إدارة الهيئة طالب، عبر مجموعة المتابعة الرسمية، بأن ترسل الفروع المتضررة تقارير بأزماتها ومشكلاتها، لكن هناك موظفة فى الشئون الفنية تعرقل هذه العملية، وتحارب زميلتها المسؤولة عن التنسيق مع الفروع على الجروب الخاص الشكاوى، بهدف تهميش مطالب المهندسين وتجميد أى تحرك إدارى للمطالبة بالمعدات.
وقال المهندس: «الشئون الفنية بتدمر الهيئة، وبتسكت كل صوت يطلب إصلاح، واللى بيشتكى بيتعرض للتجميد، وكأن فيه نية مبيتة لتعطيل الشغل لخلق أزمة حقيقية للعميد وليد أبو النصر».
وطالب بتدخل عاجل من رئيس مجلس الإدارة لتكليف قيادة فنية لديها كفاءة وقدرة على إدارة الأزمة، مؤكدًا أن ما يحدث يمثل تهديدًا مباشرًا لمنظومة النظافة بالقاهرة، وقد يؤدى إلى انفجار أزمات ميدانية يصعب احتواؤها لاحقًا.
التستر على الكارثة
فى واقعة جديدة تعكس حجم الفوضى والإهمال داخل بعض إدارات الهيئة العامة لنظافة وتجميل القاهرة، كشف أحد موظفى جراجات الإنقاذ، عبر رسالة واتساب، ورفض ذكر اسمه خوفًا من «التجميد» والنقل التعسفى، عن وقائع صادمة لإهدار المال العام وتعطيل أسطول النقل الحديث فى غياب كامل للمحاسبة والرقابة.
الموظف أكد أن عددًا من سيارات التريلا الجديدة، التى تم تسلمها مؤخرًا ضمن اعتمادات مالية ضخمة، تعرضت لحوادث خطيرة بسبب التحميل الزائد، فى ظل غياب أى رقابة فنية أو إدارية حقيقية، وأوضح أن تريلا حديثة تحمل لوحات رقم (٩٣٧٨ أ ر س) انقلبت على طريق السلام منذ نحو أسبوع، نتيجة الحمولة المفرطة، وتم سحبها إلى مجمع جراجات المقطم، حيث لا تزال متوقفة ومعطلة حتى الآن.
وأضاف: «الحادث ده مش الأول، من ٤ أشهر فى تريلا تانية انقلبت واتركنت فى جراج إنقاذ حلوان، ولسة متصلحتش ولا حد سأل فيها، العربيات كلها جديدة ولسة طالعة من الاعتماد، لكن مفيش أى حرص عليها، كأنها ملكية خاصة حد بيجرب بيها».
ويتابع الموظف شهادته عبر رسائل الواتساب: «فيه تعليمات غير مباشرة بعدم الكلام، وكل اللى بيشتغل بضمير بيتحط تحت الميكروسكوب، لو موظف صغير أخطأ بيتحول للتحقيق فورًا، لكن الكوارث الكبيرة بيتم التعتيم عليها ومحدش بيحاسب الموظفين الكبار».
كما لفت إلى أن التريلات يتم تحميلها يوميًا بأوزان تتجاوز الحد المسموح به، دون أى فحص أو متابعة، ما يؤدى إلى انقلابها أو تعطلها، ويتسبب فى إهدار معدات باهظة الثمن، كانت مخصصة لخدمة منظومة النظافة بالقاهرة.
واختتم الموظف حديثه قائلًا: «إحنا شايفين الفساد بعنينا وساكتين، مش لأننا راضيين، لكن لأن اللى بيتكلم مصيره معروف، كل يوم مخالفات وكل يوم خسارة جديدة، والمصيبة إن كل ده بيحصل فى صمت، كأننا بنشتغل فى شركة خاصة مش هيئة حكومية مسؤولة عن مليارات الجنيهات».
الصور والمستندات التى حصلنا عليها عبر رسائل الواتساب توثق تواجد التريلات المعطلة داخل الجراجات، وتفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة عن غياب دور الأجهزة الرقابية، وعن الجهات أو الأفراد المتورطين فى التستر على هذه الوقائع التى تمثل استنزافًا واضحًا لموارد الدولة.