كتبه دكتور عطية المسعودي
محاضر الاقتصاد والمالية العامة والاحصاء
عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والاحصاء والتشريع

المقدمة:
إن بناء الوطن، وإصلاحه يبدأ أولًا بالإصلاح على المستوى الفردي، الإصلاح الذي يعني الإيمان والطاعة والقرب من الله تعالى حتى يُمَدَّ الصالحون بعون الله ويُؤيَّدوا بتوفيقه، قال تعالى:” التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ”(التوبة:112)، كلها صفات صلاح شخصي ذاتي، ثم لابد من مراعاة الإصلاح المجتمعي، وذلك بحفظ حدود الله وإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ليظل المجتمع محفوظًا ومصانًا من كل خَبَثٍ ومنكر ومعصية، قال تعالى: {الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (التوبة:112).
ومن معالم الشخصية المسلمة التي تعمل لنصرة الإسلام ورفعة الأوطان ما يأتي:
الإيمان الحي الذي يثمر أخلاقًا فاضلة ومعاملات حسنة: فالفرد بغير دين ولا إيمان ريشة في مهب الريح لا تستقر على حال، ولا تعرف لها وجهة، ولا تسكن إلى قرار مكين، والمجتمع بغير دين ولا إيمان مجتمع غابة، وإن لمعت فيه بوارق الحضارة.
الإيجابية واستشعار المسئولية:
فعن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:« مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا» البخاري. قوله: (مثل القائم على حدود الله تعالى) أي: المستقيم على ما منع الله تعالى من مجاوزته، ويقال: القائم بأمر الله معناه: الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر. (والواقع فيها) أي: في الحدود، أي: التارك للمعروف المرتكب للمنكر.
يتبين لنا من الحديث الشريف: أنه إذا أقيمت الحدود وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر تحصل النجاة للكل وإلا هلك العاصي بالمعصية وغيرهم بترك الإقامة. (انظر عمدة القاري).
الإحسان والإتقان:
فالإسلام يأمر المسلم بالإحسان والإتقان في كل ما يقوم به من عمل، سواء تعلق العمل بالدنيا أم بالآخرة، وسواء أكان هذا العمل في المسجد أم في المصنع أم في المزرعة، عمل الشخص لنفسه أم عمله لغيره، وما يقوم به المسلم من عبادات يجب أن ينعكس إيجابًا على كافة ما يقوم به من أعمال، قال تعالى:{وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(البقرة: 195)، وقال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} (النحل: 90)، فنصوص الشرع الحكيم تأمرنا بأن يكون العمل صالحًا، طيبًا، متقنًا، جميلًا، في كل شيء.
الحفاظ على الوحدة ونبذ الفرقة:
حيث أمر الله تعالى بالوحدة فقال: { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}(آل عمران:103)، ونهى عن التفرق ونفر منه فقال:{وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(آل عمران:105)، وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» مسلم.

العلاقات الاجتماعية الحسنة مع الجيران والأصحاب وغيرهما:
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ» الترمذي
التكافل الاجتماعي:
ويقصد به أن يكون أفراد المجتمع مشاركين في المحافظة على المصالح العامة والخاصة ودفع المفاسد والأضرار المادية والمعنوية، بحيث يشعر كل فرد فيه أنه إلى جانب الحقوق التي له أن عليه واجبات للآخرين وخاصة الذين ليس باستطاعتهم أن يحققوا حاجاتهم الخاصة وذلك بإيصال المنافع إليهم ودفع الأضرار عنهم، ومن مظاهر التكافل الاجتماعي (كفالة كبار السن، كفالة الصغار والأيتام، كفالة الفقراء والمساكين، رعاية حق الجار، حقوق الضيف والغريب)، والجمعية الشرعية بفضل من الله تعالى تساهم من خلال مشروعاتها التطبيقية بشكل كبير في هذا التكافل.
التضحية بالنفس والمال:
فلابد من التضحية لبناء الوطن ليقاوم معاول الهدم، وكذلك لابد من إيثار المصلحة العامة على الخاصة، والحفاظ على المال العام، والحرص على العمل والإنتاج، والعمل على رفع الكرب عن أصحاب الكروب من الأيتام، والمرضى، والفقراء والمساكين وأصحاب الحاجة والضعفاء عمومًا؛ ولذلك نتواصى بالإسهام في مشروعات العمل الصالح لخدمة المحتاجين، ومن ذلك المشروعات الطبية، والتنموية، والاجتماعية، ولعل ما تقدمه الجمعية الشرعية، والجمعيات الخيرية الأخرى، نموذجا لنا في العطاء والبذل والعطاء لبناء الإنسان والوطن.
من نماذج الإيجابية والتضحية لرفعة الدين والوطن:
أ‌- الصديق يوسف عليه السلام: ودوره في إنقاذ البلاد من أزمتها.
ب‌- قصة ذي القرنين وما قام به من أعمال إيجابية كما في سورة الكهف.
ت‌- همة نملة: قال تعالى: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} (النمل: 18)
ث‌- إيجابية هدهد: قال تعالى: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ} (النمل: من الآية 20: وما بعدها لنهاية القصة)
الخلاصة:
لنصرة الإسلام ورفعة الوطن، يجب بناء الشخصية المسلمة، بحسن الصلة بالله تعالى من خلال مبادئ وأسس الإسلام، مع علاقته الطيبة بالآخرين (بأسرته – بجيرانه – بزملائه.. إلخ)، بهذه المواصفات سوف يحافظ هذا المسلم على دينه ووطنه.
حفظ الله تعالى بلادنا وبلاد المسلمين من كل مكروه.

Loading